من الريح إذا عصفت وأسخى من السحاب إذا زخر ثم وجه إليه رسوله بكتاب ذكر فيه حبس معاوية عنه صلاته وضيق حاله وأنه يحتاج إلى مائة الف، فلما قرأ عبيد الله كتابه وكان ارق الناس قلبا وألينهم عطفا انهملت عيناه، ثم قال ويلك يا معاوية ما اجترحت يداك من الإثم حين أصبحت لين المهاد رفيع العماد والحسين يشكو ضعف الحال وكثرة العيال، ثم قال لقهرمانه إحمل إلى الحسين نصف ما نملكه من فضة وذهب ودابة وأخبره إني شاطرته فان أقنعه ذلك والا فارجع وأحمل إليه الشطر الآخر (قال ولما) وصل الرسول إلى الحسين قال انا لله ثقلت والله علي بن عمى وما حسبت أنه يتسع لنا بهذا كله فاخذ الشطر من ماله وهو أول من فعل هذا في الاسلام.
(ومن جوده أيضا) ان معاوية أهدى إليه وهو عنده بالشام من هدايا النيروز حللا كثيرة ومكا وآنية من ذهب وفضة ووجهها إليه مع حاجبه فلما وضعها بين يديه نظر إلى الحاجب وهو يطيل النظر فيها فقال في نفسك منها شئ قال نعم والله ان في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف فضحك عبيد الله وقال فشأنك بها فهي لك قال جعلت فداك انا أخاف أن يبلغ ذلك معاوية فيغضب لذلك قال فاختمها بخاتمك وادفعها إلى الخازن وهو يحملها إليك ليلا. فقال الحاجب والله إن هذه الحيلة في الكرم أكثر من الكرم ولوددت أن لا أموت حتى أراك مكانه، يعنى معاوية فظن عبيد الله انها مكيدة منه فقال دع هذا الكلام فانا من قوم نفى بما عقدنا ولان ننقض ما أكدنا، وقال له يوما رجل من الأنصار جعلت فداك والله لو سبقت حاتم بيوم ما ذكرته العرب وانا شهد أن عفو جودك أكثر من مجهوده وطل صوبك أكثر من وابله.
مات عبيد الله سنة ثمان وخمسين. (وقال الواقدي والزبير بن بكار) توفى بالمدينة في أيام يزيد بن معاوية.