المراد الشأن والفعل، والعرب تقول: أمر فلان سديد مستقيم: أي حاله وأفعاله، وإذا ثبت أن الامر يعبر به عن الفعل كان حقيقة فيه، يوضحه أن العرب تفرق بين جمع الامر الذي هو القول فقالوا فيه: أوامر، والامر الذي هو الفعل فقالوا في جمعه:
أمور، ففي التفريق بين الجمعين دلالة على أن كل واحد منه حقيقة، ومن يقول إن استعمال الامر في الفعل بطريق المجاز والاتساع، فلا بد له من بيان الوجه الذي اتسع فيه لأجله، لان الاتساع والمجاز لا يكون إلا بطريق معلوم يستعار اللفظ بذلك الطريق لغير حقيقته مجازا. وفي قوله (ص): خذوا عني مناسككم وصلوا كما رأيتموني أصلي تنصيص على وجوب اتباعه في أفعاله.
وحجتنا في ذلك أن المراد بالامر من أعظم المقاصد فلا بد من أن يكون له لفظ موضوع هو حقيقة يعرف به اعتبارا بسائر المقاصد من الماضي والمستقبل والحال، وهذا لان العبارات لا تقصر عن المقاصد، ولا يتحقق انتفاء القصور إلا بعد أن يكون لكل مقصود عبارة هو مخصوص بها، ثم قد تستعمل تلك العبارة لغيره مجازا بمنزلة أسماء الأعيان، فكل عين مختص باسم هو موضوع له وقد يستعمل في غيره مجازا نحو أسد فهو في الحقيقة اسم لعين وإن كان يستعمل في غيره مجازا، يوضحه أن قولنا أمر مصدر والمصادر لا بد أن توجد عن فعل أو يوجد عنها فعل على حسب اختلاف أهل اللسان في ذلك، ثم لا تجد أحدا من أهل اللسان يسمي الفاعل للشئ آمرا، ألا ترى أنهم لا يقولون للآكل والشارب آمرا، فبهذا تبين أن اسم الامر لا يتناول الفعل حقيقة، ولا يقال الامر اسم عام يدخل تحته المشتق وغيره، لان الامر مشتق في الأصل، فإنه يقال: أمر يأمر أمرا فهو آمر، وما كان مشتقا في الأصل لا يقال إنه يتناول المشتق وغيره حقيقة، وإنما يقال ذلك فيما هو غير مشتق في الأصل