أنه على الفور أم على التراخي؟ قال رضي الله عنه: وعندي أن هذا غلط من قائله، فالامر بأداء الحج ليس بمطلق بل هو موقت بأشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وقد بينا أن المطلق غير المقيد بوقت، ولا خلاف أن وقت أداء الحج أشهر الحج. ثم قال أبو يوسف رحمه الله: تتعين أشهر الحج من السنة الأولى للأداء إذا تمكن منه، وقال محمد رحمه الله لا تتعين ويسعه التأخير، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه فيه روايتان: ف محمد يقول الحج فرض العمر ووقت أدائه أشهر الحج من سنة من سني العمر وهذا الوقت متكرر في عمر المخاطب فلا يجوز تعيين أشهر الحج من السنة الأولى إلا بدليل، والتأخير عنها لا يكون تفويتا بمنزلة تأخير قضاء رمضان. وتأخير صوم الشهرين في الكفارة، فالأيام والشهور تتكرر في العمر ولا يكون مجرد التأخير فيها تفويتا فكذلك الحج، ألا ترى أنه متى أدى كان مؤديا للمأمور. وأبو يوسف يقول أشهر الحج من السنة الأولى بعد الامكان متعين الأداء لأنه فرد في هذا الحكم لا مزاحم له، وإنما يتحقق التعارض وينعدم التعيين باعتبار المزاحمة، ولا يدري أنه هل يبقى إلى السنة الثانية ليكون أشهر الحج منها من جملة عمره أم لا؟ ومعلوم أن المحتمل لا يعارض المتحقق، فإذا ثبت انتفاء المزاحمة كانت هذه الأشهر متعينة للأداء فالتأخير عنها يكون تفويتا كتأخيره الصلاة عن الوقت، والصوم عن الشهر إلا أنه إذا بقي حيا إلى أشهر الحج من السنة الثانية فقد تحققت المزاحمة الآن وتبين أن الأولى لم تكن متعينة فلهذا كان مؤديا في السنة الثانية وقام أشهر الحج من هذه السنة مقام الأولى في التعيين، لأنه لا يتصور الأداء في وقت ماض، ولا يدري أيبقى بعد هذا أم لا؟ وهذا بخلاف الامر المطلق فبالتأخير عن أول أوقات الامكان لا يزول تمكنه من الأداء هناك، وههنا يزول تمكنه من الأداء بمضي يوم عرفة إلى أن يدرك هذا اليوم من السنة الثانية ولا يدري أيدركه أم لا؟ وبخلاف قضاء رمضان فتأخيره عن اليوم الأول لا يكون تفويتا أيضا لتمكنه منه في اليوم الثاني، ولا يقال بمجئ الليل يزول تمكنه، ثم لا يدري أيدرك اليوم الثاني أم لا؟ لان الموت في ليلة واحدة قبل
(٢٩)