فيثبت هذا الحكم وهو انتفاء التخيير في أول أوقات إمكان الأداء كما ثبت حكم الوجوب، والتفويت حرام بالاتفاق، وفي هذا التأخير تفويت لأنه لا يدري أيقدر على الأداء في الوقت الثاني أو لا يقدر؟ وبالاحتمال الثاني لا يثبت التمكن من الأداء على وجه يكون معارضا للمتيقن به فيكون تأخيره عن أول أوقات الامكان تفويتا، ولهذا استحسن ذمه على ذلك إذا عجز عن الأداء، ولان الامر بالأداء يفيدنا العلم بالمصلحة في الأداء، وتلك المصلحة تختلف باختلاف الأوقات، ولهذا جاز النسخ في الأمر والنهي، وبمطلق الامر يثبت العلم بالمصلحة في الأداء في أول أوقات الامكان ولا يثبت المتيقن به فيما بعده. ثم المتعلق بالامر اعتقاد الوجوب وأداء الواجب، وأحدهما وهو الاعتقاد يثبت بمطلق الامر للحال فكذلك الثاني، واعتبر الامر بالنهي، والانتهاء الواجب بالنهي يثبت على الفور فكذلك الائتمار الواجب بالامر.
وحجتنا في ذلك أن قول القائل لعبده افعل كذا الساعة يوجب الائتمار على الفور، وهذا أمر مقيد، وقوله افعل مطلق وبين المطلق والمقيد مغايرة على سبيل المنافاة فلا يجوز أن يكون حكم المطلق ما هو حكم المقيد فيما يثبت التقييد به، لان في ذلك إلغاء صفة الاطلاق وإثبات التقييد من غير دليل، فإنه ليس في الصيغة ما يدل على التقييد في وقت الأداء، فإثباته يكون زيادة وهو نظير تقييد المحل، فإن من قال لعبده تصدق بهذا الدرهم على أول فقير يدخل، يلزمه أن يتصدق على أول من يدخل إذا كان فقيرا، ولو قال تصدق بهذا الدرهم لم يلزمه أن يتصدق به على أول فقير يدخل وكان له أن يتصدق به على أي فقير شاء، لان الامر مطلق فتعيين المحل فيه يكون زيادة، والدليل عليه أنه يتحقق الامتثال بالأداء في أي جزء عينه من أوقات الامكان في عمره، ولو تعين للأداء الجزء الأول لم يكن ممتثلا بالأداء بعده، وفي اتفاق الكل