على العلة، يقال: جاء الشتاء فتأهب، ويقال: ضرب فأوجع أي بذلك الضرب، وأطعم فأشبع، أي بذلك الطعام، وعلى هذا قوله عليه السلام: لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه: أي بذلك الشراء، ولهذا جعلنا الشراء إعتاقا في القريب بواسطة الملك. ويقول: خذ من مالي ألف درهم فصاعدا، أي فما يزداد عليه فصاعدا وارتفاعا. وعلى هذا الأصل قال علماؤنا رحمهم الله فيمن قال لغيره: بعت منك هذا العبد بألف درهم وقال المشتري فهو حر فإنه يعتق ويجعل قابلا ثم معتقا، بخلاف ما لو قال هو حر أو وهو حر فإنه يكون ردا للايجاب لا قبولا فلا يعتق. ولو قال لخياط: انظر إلى هذا الثوب أيكفيني قميصا فقال نعم قال فاقطعه فقطعه فإذا هو لا يكفيه قميصا كان الخياط ضامنا لان الفاء للوصل والتعقيب فكأنه قال فإن كفاني قميصا فاقطعه، بخلاف ما لو قال اقطعه فقطعه فإذا هو لا يكفيه قميصا فإنه لا يكون ضامنا لوجود الاذن مطلقا. وقد قال بعض مشايخنا: إذا قال لغير المدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت إنها تطلق واحدة عند أبي حنيفة رحمه الله باعتبار أن الفاء يجعل مستعارا عن الواو مجازا لقرب أحدهما من الآخر.
قال رضي الله عنه: والأصح عندي أن هاهنا تطلق واحدة عندهم جميعا. لان الفاء للتعقيب فيثبت به ترتيب بين الثانية والأولى في الوقوع ومع الترتيب لا يمكن إيقاع الثانية لأنها تبين بالأولى ومع إمكان اعتبار الحقيقة لا معنى للمصير إلى المجاز. والدليل على أن الصحيح هذا ما قال في الجامع: إن دخلت هذه الدار فدخلت هذه الدار الأخرى فأنت طالق فإن الشرط أن تدخل الثانية بعد دخول الدار الأولى حتى لو دخلت في الثانية قبل الأولى ثم دخلت في الأولى لم تطلق، بخلاف ما لو قال:
ودخلت هذه الدار. وقد توصل الفاء بما هو علة إذا كان محتمل الامتداد، يقول الرجل لغيره: أبشر فقد أتاك الغوث وهذا على سبيل بيان العلة للخطاب بالبشارة ولكن لما كان ذلك ممتدا صح ذكر حرف الفاء مقرونا به، وعلى هذا الأصل لو قال لعبده: أد إلي ألفا فأنت حر فإنه يعتق وإن لم يؤد، لأنه لبيان العلة، أي لأنك قد صرت حرا وصفة الحرية تمتد. وكذلك لو قال لحربي: انزل فأنت آمن كان آمنا