بلا قرينة مقالية ولا حالية (١) وكانت تلك المعاني معلومة المفهوم من تلك الألفاظ لدى أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعاصريه; من المشركين واليهود والنصارى، وكانوا يفهمون معانيها بلا قرينة، وأما في لسان العرب التابعين ومن بعدهم فالأمر أوضح من أن يذكر.
فإن لم تطمئن بما ذكرنا، فلا أقل من احتمال معهودية ذلك في عصر نزول القرآن المجيد، ومع ذلك لا يمكن إثبات كونها حقيقة شرعية، كما لا يخفى.
وعلى كل حال لا يترتب على القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه ثمرة عملية; لأن الثمرة إنما تظهر فيما لو استعملت تلك الألفاظ ولم يعلم المراد منها; حيث يحمل على الماهيات المخترعة على القول بثبوت الحقيقة الشرعية، وعلى معانيها اللغوية على القول بعدمه، وأما إذا علم المراد منها فلا، ومن المعلوم - كما أشرنا - أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستعمل تلك الألفاظ - من لدن بعثته - إلا في هذه المعاني المعهودة بيننا بدون القرينة، وهي المتبادرة منها، مثلا: المراد من «الصلاة» و «الزكاة» في قوله تعالى في سورة «المزمل» النازلة في أوائل البعثة: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (٢)، وفي سورة «المدثر»: ﴿قالوا لم نك من المصلين﴾ (3) إلى غير ذلك من الآيات، إستعلمتا في هذه المعاني التي عندنا بلا إشكال; كانت حقيقة شرعية فيها أم لا.
ولو احتمل أنهم في أوائل البعثة كانوا يفهمون هذه المعاني من تلك الألفاظ، ولكن احتمال ذلك في أواسط البعثة - فضلا عن أواخرها - مما ينبو عنه الفكر السليم