أولها: عدم انضباط مدارك الأحكام وأدلتها، حيث قد يكون في مدارك بعض الأحكام ما ينفع في معرفة أحكام أخرى، فما لم يطلع الشخص على مدارك تمام الاحكام، ويكون ذا خبرة بها، لا يستطيع تشخيص شئ منها، لاحتمال عدم استكمال الفحص عنه.
وفيه: أنه قد يقطع الناظر في كلمات الأصحاب في المسألة وبعد التأمل في خصوصياتها بعدم وجود دليل فيها قد خفي عليه يتوقف اطلاعه عليه على النظر في بقية المسائل، ولا أقل من اليأس عن ذلك بالنحو الكافي الذي يقطع معه بعدم وجوب الفحص. وإلا أمكن ورود ذلك في الناظر في تمام المسائل، لامكان نسيانه لمفاد بعض الأدلة أو غفلته عن إفادته في بعض المسائل.
على أن النظر في جميع أدلة المسائل لا يستلزم القدرة على تشخيص الوظيفة فيها - الراجعة للاجتهاد المطلق - لامكان ابتناء معرفة بعضها على مقدمات لم يفرغ منها، بخلاف بعضها الاخر الذي استكمل مقدمات المعرفة فيه ثانيها: أن ملكة الاجتهاد كسائر الملكات أمر بسيط غير قابل للتجزي.
وفيه: أن مرجع التجزي ليس إلى تجزي الملكة، بل إلى ضعفها وقصورها عن بعض الأحكام، لما أشرنا إليه انفا من أن الملكة متقومة بمعرفة المقدمات التي يبتني عليها تشخيص الوظيفة، وقد يكون الشخص عارفا ببعض تلك المقدمات دون بعض، فلا يتسنى له إلا تشخيص الوظيفة في المسائل التي يكفي فيها تلك المقدمات، دون غيرها مما يحتاج للمقدمات الأخرى التي يجهلها.
ثالثها: أن مدارك الأحكام في الوقائع المختلفة ومقدمات الاستنباط متداخلة مترابطة، فليس تشخيص الوظيفة في الواقعة الواحدة موقوفا على مقدمة أو مقدمتين، كي يمكن للعارف بهما تشخيصها فيها ولو مع العجز عن