كما أن ما ذكره شيخنا الأعظم قدس سره من معروفية الرجوع للمرجح المذكور بين الأصحاب لم أتحققه فيما تيسر لي الاطلاع عليه من كلماتهم في أبواب الفقه عند الابتلاء بها.
مع أن الدليل على ذلك غير ظاهر، لعدم التعرض له في نصوص المقام عدا قوله في مقبولة ابن حنظلة: " الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر... " وقوله عليه السلام في مرفوعة زرارة: " خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك لكن المقبولة ظاهرة في ترجيح الحكمين قبل الانتقال إلى ترجيح الروايتين المستندتين لهما، ولا وجه للتعدي من ذلك لترجيح نفس الروايتين.
ومثلها في ذلك موثق داوود بن الحصين، وخبر موسى بن أكيل (1)، الوارد ان في الترجيح بين الحكمين من دون تعرض للترجيح بين الروايتين أصلا.
وأما ما ذكره بعض الأعاظم قدس سره من أنه لما كان منشأ اختلاف الحكمين هو اختلاف الروايتين فيستفاد من ذلك أن المناط في ترجيح أحد الحكمين على الاخر بالصفات لكون مثل هذه الصفات مرجحة لمنشأ الحكم، وهو الرواية.
ويؤيد ذلك أن الأصدقية إنما تناسب ترجيح الرواية لا نفس الحكم.
ففيه: أن ترجيح الحكمين بالصفات المذكورة قد يكون بلحاظ أنها تقتضي حسن الظن بالحاكم الأفضل في اختياره لمدرك حكمه وجريه فيه على أفضل الموازين التي يبتني الاستدلال عليها، فيستغنى بذلك عن تكلف النظر في مدركه، من دون أن يرجع إلى تصديقه في روايته. كيف وأصدقية أحد الحاكمين لا تستلزم أصدقية روايته، لامكان ضعفها بلحاظ وسائط السند الأخرى أو القرائن المحيطة بها وبمعارضتها.