فالنتيجة أن الصحيح في باب الانشاء هو مسلك المشهور دون مسلك السيد الأستاذ (قدس سره)، هذا كله في الجمل الحملية الانشائية، وأما الجمل الشرطية فهي موضوعة بإزاء النسبة التعليقية وهي النسبة بين الشرط والجزاء، غاية الأمر أنها إن كانت إخبارية فهي تدل على النسبة المذكورة فانية في مصداق يرى ثبوته مفروغا عنه بالنظر التصوري، وإن كانت انشائية فهي تدل على النسبة المذكورة فانية في مصداق يرى ثبوته بالنظر التصوري بنفس الجملة، مثلا قوله تعالى: ﴿لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾ (1) يرجع إلى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وهو الاستطاعة، تاليها ثبوت الحكم له وهو وجوب الحج، وهذه القضية الشرطية تدل على النسبة التعليقية بين الاستطاعة ووجوب الحج فانية في مصداق يرى ثبوته بها بالنظر التصوري، فالموجدية من شؤون المدلول التصوري في الجمل الانشائية، والحكائية من شؤون المدلول التصوري في الجمل الإخبارية سواء أكانتا حمليتين أم شرطيتين.
وعلى هذا الأساس فلا موضوع لاشكال تفكيك المنشأ عن الانشاء لأنهما شئ واحد وهو إيجاد مصداق المعنى بالنظر التصوري بنفس صيغة الانشاء، لأنه إنشاء بعينه باعتبار ومنشأ كذلك باعتبار آخر، فلا فرق بينهما ذاتا وحقيقة، إلا بالاعتبار كالإيجاد والوجود، فوجوب الحج عند الاستطاعة إنشاء باعتبار ومنشأ باعتبار آخر وكلاهما فعلي، وليس المراد من المنشأ هو فعلية وجوب الحج بفعلية الاستطاعة في الخارج، ضرورة أنها ليست منشأة بالانشاء في مرحلة الجعل، بل إنها معلولة لوجود الاستطاعة في الخارج ومستندة إليه، وقد تقدم أن المراد من فعلية وجوب الحج فعلية فاعليته