أما المقدمة الأولى: فقد ذكر في وجهها أن وجود الضد مانع عن وجود الضد الآخر فإذا كان مانعا فعدم المانع من أجزاء العلة التامة على أساس أن العلة التامة مركبة من ثلاثة أجزاء:
الأول: وجود المقتضي.
الثاني: وجود الشرط.
الثالث: عدم المانع مثلا وجود النار مقتضي للإحراق والمماسة بين وجودها والحطب شرط لتأثيرها فيه باعتبار أنها مصححة لفاعلية النار ورطوبة الحطب مانعة عن فعلية تأثيرها فيه فإذا تمت هذه الأجزاء الثلاثة فقد تمت العلة التامة وأثرت أثرها وحيث أن عدم الضد من أجزاء العلة التامة فبطبيعة الحال يكون مقدمة لوجود الضد الآخر من باب أن عدم المانع من المقدمات وهذا معنى كون عدم أحد الضدين مقدمة للضد الآخر هذا.
ولكن ذهب جماعة من المحققين الأصوليين إلى استحالة مقدمية عدم أحد الضدين للضد الآخر وقد استدلوا على ذلك بوجوه:
الوجه الأول: وتوجيه هذا الوجه بحاجة إلى مقدمة وهي أن المعلول وإن كان مترتبا على العلة بتمام أجزائها وعناصرها ومتأخرا عنها رتبة ومعاصرا لها زمنا ولكن تأثير كل عنصر من عناصرها في المعلول مغاير لتأثير الآخر فيه فإن المقتضى هو مبدأ المعلول مباشرة وبمثابة الأم على أساس أنه متولد منه كذلك ويكون من مراتب وجوده النازلة وليس شيئا أجنبيا عنه وإلا استحال تأثيره فيه ضرورة أنه منوط بمبدأ التناسب بين العلة والمعلول على أساس أن المعلول عين الربط بالعلة والتعلق بها لا ذات له الربط والتعلق مثلا الحرارة عين الربط بالنار وتتولد من صميم ذاتها وإلا لزم تأثير كل شئ في كل شئ وهو كما ترى فإن لازم ذلك انهيار جميع العلوم من العلوم الطبيعية