والتسنيم في الجنة الروحانية هو معرفة الله ولذة النظر إلى وجه الله الكريم، والرحيق هو الابتهاج بمطالعة عالم الموجودات، فالمقربون لا يشربون إلا من التسنيم، أي لا يشتغلون إلا بمطالعة وجهه الكريم، وأصحاب اليمين يكون شرابهم ممزوجا، فتارة يكون نظرهم إليه وتارة إلى مخلوقاته.
المسألة الثانية: عينا نصب على المدح وقال الزجاج: نصب على الحال، وقوله: * (يشرب بها المقربون) * كقوله: * (يشرب بها عباد الله) * (الإنسان: 6) وقد مر.
قوله تعالى * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا نقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضآلون * ومآ أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون * على الارآئك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) *.
اعلم أنه سبحانه لما وصف كرامة الأبرار في الآخرة ذكر بعد ذلك قبح معاملة الكفار معهم في الدنيا في استهزائهم وضحكهم، ثم بين أن ذلك سينقلب على الكفار في الآخرة، والمقصود منه تسلية المؤمنين وتقوية قلوبهم، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في سبب النزول وجهين الأول: أن المراد من قوله: * (إن الذين أجرموا) * أكابر المشركين كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل السهمي كانوا يضحكون من عمار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المسلمين ويستهزئون بهم الثاني: جاء علي عليه السلام في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه، فنزلت هذه الآية قبل أن يصل علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية: أنه تعالى حكى عنهم أربعة أشياء من المعاملات القبيحة فأولها: قوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون أي يستهزئون بهم وبدينهم وثانيها: قوله: * (وإذا مروا بهم يتغامزون) * أي يتفاعلون من الغمز، وهو الإشارة بالجفن والحاجب ويكون