وأما قوله: * (بل تؤثرون الحياة الدنيا) * (الأعلى: 15) فهو إشارة إلى الزجر عن الالتفات إلى الدنيا.
وأما قوله: * (والآخرة خير وأبقى) * (الأعلى: 15) فهو إشارة إلى الترغيب في الآخرة وفي ثواب الله تعالى، وهذه أمور لا يجوز أن تختلف باختلاف الشرائع، فلهذا السبب قال: * (إن هذا لفي الصحف الأولى) * وهذا الوجه كما تأكد بالعقل فالخبر يدل عليه، روى عن أبي ذر أنه قال: قلت هل في الدنيا مما في صحف إبراهيم وموسى؟ فقال: اقرأ يا أبا ذر * (قد أفلح من تزكى) * (الأعلى: 14) وقال آخرون: إن قوله هذا إشارة إلى قوله: * (والآخرة خير وأبقى) * وذلك لأن الإشارة راجعة إلى أقرب المذكورات وذلك هو هذه الآية، وأما قوله: * (لفي الصحف الأولى) * فهو نظير لقوله: * (وإنه لفي زبر الأولين) * وقوله: * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * (الشورى: 13).
* (صحف إبراهيم وموسى) *.
فيه قولان: أحدهما: أنه بيان لقوله: * (في الصحف الأولى) * (الأعلى: 18) والثاني: أن المراد أنه مذكور في صحف جميع الأنبياء التي منها صحف إبراهيم وموسى، روي عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنزل الله من كتاب؟ فقال: مائة وأربعة كتب، على آدم عشر صحف وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقيل: إن في صحف إبراهيم: ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.