في الدنيا وفي الآخرة يفعل من هذه الأشياء ومن غيرهما ما يريد.
قوله تعالى * (هل أتاك حديث الجنود * فرعون وثمود * بل الذين كفروا فى تكذيب * والله من ورآئهم محيط * بل هو قرءان مجيد * فى لوح محفوظ) *.
اعلم أنه تعالى لما بين حال أصحاب الأخدود في تأذي المؤمنين بالكفار، بين أن الذين كانوا قبلهم كانوا أيضا كذلك، واعلم أن فرعون وثمود بدل من الجنود، وأراد بفرعون إياه وقومه كما في قوله من فرعون وملئهم وثمود، كانوا في بلاد العرب، وقصتهم عندهم مشهورة فذكر تعالى من المتأخرين فرعون، ومن المتقدمين ثمود، والمقصود بيان أن حال المؤمنين مع الكفار في جميع الأزمنة مستمرة على هذا النهج، وهذا هو المراد من قوله: * (بل الذين كفروا في تكذيب) * ولما طيب قلب الرسول عليه السلام بحكاية أحوال الأولين في هذا الباب سلاه بعد ذلك من وجه آخر، وهو قوله: * (والله من ورائهم محيط) * وفيه وجوه أحدها: أن المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحوزته، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه فسد عليه مسلكه، فلا يجد مهربا يقول تعالى: فهو كذا في قبضتي وأنا قادر على إهلاكهم ومعاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك فلا تجزع من تكذيبهم إياك، فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم وثانيها: أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم كقول تعالى: * (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها) * (الفتح: 21) وقوله: * (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) * (الإسراء: 60) وقوله: * (وظنوا أنهم أحيط بهم) * (يونس: 22) فهذا كله عبارة عن مشارفة الهلاك، يقول: فهؤلاء في تكذيبك قد شارفوا الهلاك وثالثها: أن يكون المراد والله محيط بأعمالهم، أي عالم بها، فهو مرصد بعقابهم عليها، ثم إنه تعالى سلى رسوله بعد ذلك بوجه ثالث، وهو قوله: * (بل هو قرآن مجيد) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعلق هذا بما قبله، هو أن هذا القرآن مجيد مصون عن التغير والتبدل، فلما حكم فيه بسعادة قوم وشقاوة قوم، وبتأذي قوم من قوم، امتنع تغيره وتبدله، فوجب الرضا به، ولا شك أن هذا من أعظم موجبات التسلية.
المسألة الثانية: قرىء: * (قرآن مجيد) * بالإضافة، أي قرآن رب مجيد، وقرأ يحيى بن يعمر في لوح واللوح الهواء يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح المحفوظ، وقرئ محفوظ