الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر جميعا لأنها أيام عظام فأقسم الله بها كما أقسم بالليالي العشر والشفع والوتر، ولعل الآية عامة لكل يوم عظيم من أيام الدنيا ولكل مقام جليل من مقاماتها وليوم القيامة أيضا لأنه يوم عظيم كما قال: * (ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين) * (المطففين: 6, 5) وقال: * (فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) * (مريم: 37) ويدل على صحة هذا التأويل خروج اللفظ في الشاهد والمشهود على النكرة، فيحتمل أن يكون ذلك على معنى أن القصد لم يقع فيه إلى يوم بعينه فيكون معرفا أما الوجه الأول: وهو أن يحمل الشاهد على من تثبت الدعوى بقوله، فقد ذكروا على هذا التقدير وجوها كثيرة أحدها: أن الشاهد هو الله تعالى لقوله: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * (آل عمران: 18) وقوله: * (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله) * (الأنعام: 19) وقوله: * (أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) * (فصلت: 53) والمشهود هو التوحيد، لقوله: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * أو النبوة: * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) * وثانيها: أن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود عليه سائر الأنبياء، لقوله تعالى: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) * (النساء: 41) ولقوله تعالى: * (إنا أرسلناك شاهدا) * (الفتح: 8) وثالثها: أن يكون الشاهد هو الأنبياء، والمشهود عليه هو الأمم، لقوله تعالى: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) *، ورابعها: أن يكون الشاهد هو جميع الممكنات والمحدثات، والمشهود عليه واجب الوجود، وهذا احتمال ذكرته أنا وأخذته من قول الأصوليين هذا الاستدلال بالشاهد على الغائب، وعلى هذا التقدير يكون القسم واقعا بالخلق والخالق، والصنع والصانع وخامسها: أن يكون الشاهد هو الملك، لقوله تعالى: * (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) * والمشهود عليه هم المكلفون وسادسها: أن يكون الشاهد هو الملك، والمشهود عليه هو الإنسان الذي تشهد عليه جوارحه يوم القيامة، قال: * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) * (النور: 24) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) * (فصلت: 21) وهذا قول عطاء الخراساني. وأما الوجه الثالث: وهو أقوال مبنية على الروايات لا على الاشتقاق فأحدها: أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، روى أبو موسى الأشعري أنه عليه الصلاة والسلام قال: " اليوم الموعود يوم القيامة، والشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، ويوم الجمعة ذخيرة الله لنا " وعن أبي هريرة مرفوعا قال: " المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه منه " وعن سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة " وهذا قول كثير من أهل العلم كعلي بن أبي طالب عليه السلام، وأبي هريرة وابن المسيب والحسن البصري والربيع بن أنس، قال قتادة: شاهد ومشهود، يومان عظمهما الله من أيام الدنيا، كما يحدث أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وثانيها: أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم النحر
(١١٦)