يكون فعلا فإن من يدخل على الملك فيطأطئ رأسه يقول سلمت على الملك، وهو حينئذ كقول القائل البيع موجود حكما لا حسا وهذا ممنوع عنه قطعا لا ظنا.
المسألة الثالثة: قال في السلام * (من رب رحيم) * وقال في غيره من أنواع الإكرام * (نزلا من غفور رحيم) * (فصلت: 32) فهل بينهما فرق؟ نقول نعم، أما هناك فلأن النزل ما يرزق النزيل أولا، وذلك وإن كان يدل عليه ما بعده فإن النزيل إذا أكرم أو لا يدل على أنه مكرم وإذا أخل بإكرامه في الأول يدل على أنه مهان دائما غير أن ذلك غير مقطوع به، لجواز أن يكون الملك واسع الرزق فيرزق نزيله أولا ولا يمنع منه الطعام والشراب ويناقشه في غيره فقال غفور لما صدر في العبيد ليأمن العبد ولا يقول بأن الإطعام قد يوجد ممن يعاقب بعده والسلام يظهر مزية تعظيمه للمسلم عليه لا بمغفرة فقال: * (رب غفور) * لأن رب الشيء مالكه الذي إذا نظر إلى علو مرتبته لا يرجى مه الالتفات إليه بالتعظيم، فإذا سلم عليه يعجب منه وقيل انظر هو سيده ويسلم عليه. ثم قال تعالى:
* (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) * وفيه وجوه منها تبيين وجه الترتيب أيضا الأول: امتازوا في أنفسكم وتفرقوا كما قال تعالى: * (تكاد تميز من الغيظ) * (الملك: 8) أي بعضه من بعض غير أن تميزهم من الحسرة والندامة ووجه الترتيب حينئذ أن المجرم يرى منزلة المؤمن ورفعته ونزول دركته وضعته فيتحسر فيقال لهم امتازوا اليوم إذ لا دواء لألمكم ولا شفا لسقمكم الثاني: امتازوا عن المؤمنين وذلك لأنهم يكونون مشاهدين لما يصل إلى المؤمن من الثواب والإكرام ثم يقال لهم تفرقوا وادخلوا مساكنكم من النار فلم يبق لكم اجتماع بهم أبدا الثالث: امتازوا بعضكم عن بعض على خلاف ما للمؤمن من الاجتماع بالإخوان الذي أشار إليه بقوله تعالى: * (هم وأزواجهم) * (يس: 56) فأهل النار يكون لهم العذاب الأليم وعذاب الفرقة أيضا ولا عذاب فوق الفرقة، بل العقلاء قالوا بأن كل عذاب فهو بسب تفرق اتصال، فإن من قطعت يده أن أحرق جسمه فإنما يتألم بسبب تفرق المتصلات بعضها عن بعض، لكن التفرق الجسمي دون التفرق العقلي الرابع: امتازوا عن شفعائكم وقرنائكم فما لكم اليوم حميم ولا شفيع الخامس: امتازوا عما ترجون واعتزلوا عن كل خير، والمجرم هو الذي يأتي بالجريمة، ويحتمل أن يقال إن المراد منه أن الله تعالى يقول امتازوا فيظهر عليهم سيما يعرفون بها، كما قال تعالى: * (يعرف المجرمون بسيماهم) * (الرحمن: 41) وحينئذ يكون قوله تعالى امتازوا أمر تكوين، كما أنه يقول: كن فيكون كذلك يقول امتازوا فيتميزون بسيماهم ويظهر على جباههم أو في وجوههم سواء.