المسألة الأولى: كونه وزيرا لا يمنع من كونه شريكا له في النبوة، فلا وجه لقول من قال في قوله: * (فقلنا اذهبا) * إنه خطاب لموسى عليه السلام وحده بل يجري مجرى قوله: * (اذهبا إلى فرعون إنه طغى) * (طه: 43) فإن قيل إن كونه وزيرا كالمنافي لكونه شريكا بل يجب أن يقال إنه لما صار شريكا خرج عن كونه وزيرا، قلنا لا منافاة بين الصفتين لأنه لا يمتنع أن يشركه في النبوة ويكون وزيرا وظهيرا ومعينا له.
المسألة الثانية: قال الزجاج الوزير في اللغة الذي يرجع إليه ويتحصن برأيه والوزر ما يعتصم به ومنه * (كلا لا وزر) * (القيامة: 11) أي لا منجى ولا ملجأ، قال القاضي: ولذلك لا يوصف تعالى بأن له وزيرا ولا يقال فيه أيضا بأنه وزير لأن الالتجاء إليه في المشاورة والرأي على هذا الحد لا يصح.
المسألة الثالثة: * (دمرناهم) * أهلكناهم إهلاكا فإن قيل: الفاء للتعقيب والإهلاك لم يحصل عقيب ذهاب موسى وهارون إليهم بل بعد مدة مديدة، قلنا: التعقيب محمول ههنا على الحكم لا على الوقوع، وقيل: إنه تعالى أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة بطولها أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
المسألة الرابعة: قوله تعالى: * (اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا) * إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب آيات الإلهية فلا إشكال، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة فاللفظ، وإن كان للماضي إلا أن المراد هو المستقبل.
القصة الثانية - قصة نوح عليه السلام قوله تعالى * (وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس ءاية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما) *.
اعلم أنه تعالى إنما قال: * (كذبوا الرسل) * إما لأنهم كانوا من البراهمة المنكرين لكل الرسل أو لأنه كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيبا للجميع، لأن تكذيب الواحد منهم لا يمكن إلا بالقدح في المعجز، وذلك يقتضي تكذيب الكل، أو لأن المراد بالرسل وإن كان نوحا عليه السلام وحده ولكنه كما يقال فلان يركب الأفراس.
أما قوله: * (أغرقناهم) * فقال الكلبي: أمطر الله عليهم السماء أربعين يوما وأخرج ماء الأرض أيضا في تلك الأربعين فصارت الأرض بحرا واحدا * (وجعلناهم) * أي وجعلنا إغراقهم أو قصتهم آية، * (وأعتدنا للظالمين) * أي لكل من سلك سبيلهم في تكذيب الرسل عذابا أليما، ويحتمل أن يكون المراد قوم نوح.