الضلالات حتى أن أظهر الدلائل إذا ذكرت عنده لا يفهمها وخامسها: قلب مظلم في صدر مظلم.
أما قوله: * (ظلمات بعضها فوق بعض) * فروي عن ابن كثير أنه قرأ (سحاب) وقرأ (ظلمات) بالجر على البدل من قوله: * (أو كظلمات) * وعنه أيضا أنه قرأ * (سحاب ظلمات) * كما يقال سحاب رحمة وسحاب عذاب على الإضافة وقراءة الباقين * (سحاب ظلمات) * كلاهما بالرفع والتنوين وتمام الكلام عند قوله: * (سحاب) * ثم ابتدأ * (ظلمات) * أي ما تقدم ذكره ظلمات بعضها فوق بعض.
أما قوله: * (لم يكد يراها) * ففيه قولان: أحدهما: أن كاد نفيه إثبات وإثباته نفي فقوله: * (وما كادوا يفعلون) * (البقرة: 71) نفي في اللفظ ولكنه إثبات في المعنى لأنهم فعلوا ذلك وقوله عليه الصلاة والسلام: " كاد الفقر أن يكون كفرا " إثبات في اللفظ لكنه نفي في المعنى لأنه لم يكفر فكذا ههنا قوله: * (لم يكد يراها) * معناه أنه رآها والثاني: أن كاد معناه المقاربة فقوله: * (لم يكد يراها) * معناه لم يقارب الوقوع ومعلوم أن الذي لم يقارب الوقوع لم يقع أيضا وهذا القول هو المختار والأول ضعيف لوجهين: الأول: أن ما يكون أقل من هذه الظلمات فإنه لا يرى فيه شيء فكيف مع هذه الظلمات الثاني: أن المقصود من هذا التمثيل المبالغة في جهالة الكفار وذلك إنما يحصل إذا لم توجد الرؤية البتة مع هذه الظلمات.
أما قوله: * (ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور) * فقال أصحابنا إنه سبحانه لما وصف هداية المؤمن بأنها في نهاية الجلاء والظهور عقبها بأن قال: * (يهدي الله لنوره من يشاء) * ولما وصف ضلالة الكافر بأنها في نهاية الظلمة عقبها بقوله: * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * والمقصود من ذلك أن يعرف الإنسان أن ظهور الدلائل لا يفيد الإيمان وظلمة الطريق لا تمنع منه، فإن الكل مربوط بخلق الله تعالى وهدايته وتكوينه، وقال القاضي المراد بقوله: * (ومن لم يجعل الله له نورا) * أي في الدنيا بالألطاف * (فما له من نور) * أي لا يهتدي فيتحير ويحتمل * (ومن لم يجعل الله له نورا) * أي مخلصا في الآخرة وفوزا بالثواب * (فما له من نور) * والكلام عليه تزييفا وتقريرا معلوم.
قوله تعالى * (ألم تر أن الله يسبح له من فى السماوات والارض والطير صآفات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون * ولله ملك السماوات والارض وإلى الله المصير) * اعلم أنه سبحانه لما وصف أنوار قلوب المؤمنين وظلمات قلوب الجاهلين أتبع ذلك بدلائل التوحيد:
فالنوع الأول: ما ذكره في هذه الآية ولا شبهة في أن المراد ألم تعلم لأن التسبيح لا