المنافع ودفع المضار نزلت منزلة الأحياء العقلاء في اعتقاد الكفار، ثم إنها صارت أسبابا لانقطاع الإنسان عن السعادة ووصوله إلى الشقاوة، فلما نزلت هذه الأصنام منزلة الأحياء وجرت مجرى الدافع للمنفعة والجالب للمضرة لا جرم جرت مجرى الأعداء، فلا جرم أطلق إبراهيم عليه السلام عليها لفظ العدو وثالثها: المراد في قوله: * (فإنهم عدو لي) * عداوة من يعبدها، فإن قيل فلم لم يقل إن من يعبد الأصنام عدو لي ليكون الكلام حقيقة؟ جوابه: لأن الذي تقدم ذكره ما عبدوه دون العابدين.
السؤال لثاني: لم قال: * (فإنهم عدو لي) * ولم يقل فإنها عدو لكم؟ جوابه: أنه عليه السلام صور المسألة في نفسه على معنى إني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها، (وآثرت عبادة من الخير كله منه) وأراهم (بذلك) أنها نصيحة نصح بها نفسه، فإذا تفكروا قالوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه، فيكون ذلك أدعى للقبول.
السؤال الثالث: لم لم يقل فإنهم أعدائي؟ جوابه العدو والصديق يجيئان في معنى الواحد والجماعة، قال: فوقوم علي ذوي (مرة) * أراهم عدوا وكانوا صديقا ومنه قوله تعالى: * (وهم لكم عدو) * (الكهف: 50) وتحقيق القول فيه ما تقدم في قوله: * (إنا رسول رب العالمين) * (الشعراء: 16).
السؤال الرابع: ما هذا الاستثناء؟ جوابه أنه استثناء منقطع كأنه قال لكن رب العالمين.
قوله تعالى * (الذى خلقنى فهو يهدين * والذى هو يطعمنى ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذى يميتنى ثم يحيين * والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عنه أنه استثنى رب العالمين، حكى عنه أيضا ما وصفه به مما يستحق العبادة لأجله، ثم حكى عنه ما سأله عنه، أما الأوصاف فأربعة: أولها: قوله: * (الذي خلقني فهو يهدين) *.
واعلم أنه سبحانه أثنى على نفسه بهذين الأمرين في قوله: * (الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى) * (الأعلى: 2، 3) واعلم أن الخلق والهداية بهما يحصل جميع المنافع لكل من يصح الانتفاع عليه، فلنتكلم في الإنسان فنقول إنه مخلوق، فمنهم من قال هو من عالم الخلق والجسمانيات، ومن قال هو من عالم الأمر الروحانيات، وتركيب البدن الذي هو من عالم الخلق مقدم على إعطاء القلب الذي هو من عالم