المسألة الخامسة: من الناس من قال إن قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * (النور: 27) فهذا يدل على أن الاستئذان واجب في كل حال، وصار ذلك منسوخا بهذه الآية في غير هذه الأحوال الثلاثة، ومن الناس من قال الآية الأولى أريد بها المكلف لأنه خطاب لمن آمن، وما ذكره الله تعالى في هذه الآية فهو فيمن ليس بمكلف فقيل فيه إن في بعض الأحوال لا يدخل إلا بإذن، وفي بعضها بغير إذن. فلا وجه لحمل ذلك على النسخ، لأن ما تناولته الآية الأولى من المخاطبين لم تتناوله الآية الثانية أصلا، فإن قيل بتقدير أن يكون قوله تعالى: * (الذين ملكت أيمانكم) * يدخل فيه من قد بلغ فالنسخ لازم، قلنا لا يجب ذلك أيضا، لأن قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) * لا يدخل إلا من يملك البيوت لحق هذه الإضافة، وإذا صح ذلك لم يدخل تحت العبيد والإماء، فلا يجب النسخ أيضا على هذا القول، فأما إن حمل الكلام على صغار المماليك فالقول فيه أبين.
المسألة السادسة: قال أبو حنيفة رحمه الله: لم يصر أحد من العلماء إلى أن الأمر بالاستئذان منسوخ. وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: ثلاث آيات من كتاب الله تركهن الناس ولا أرى أحدا يعمل بهن، قال عطاء حفظت اثنتين ونسيت واحدة، وقرأ هذه الآية وقوله: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * (الحجرات: 13) وذكر سعيد بن جبير أن الآية الثالثة قوله: * (وإذا حضر القسمة أولو القربى) * (النساء: 8) الآية.
أما قوله تعالى: * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض) * ففيه سؤالات:
السؤال الأول: أتقولون في قوله: * (ليس عليكم ولا عليهم جناح) * أنه يقتضي الإباحة على كل حال؟ الجواب: قد بينا أن ذلك هو في الصغار خاصة، فمباح لهم الدخول للخدمة بغير الإذن في غير الأوقات الثلاثة، ومباح لنا تمكينهم من ذلك والدخول عليهم أيضا.
السؤال الثاني: فهل يقتضي ذلك إباحة كشف العورة لهم؟ الجواب: لا وإنما أباح الله تعالى ذلك من حيث كانت العادة أن لا تكشف العورة في غير تلك الأوقات، فمتى كشفت المرأة عورتها مع ظن دخول الخدم إليها فذلك يحرم عليها، فإن كان الخادم ممن يتناوله التكليف فيحرم عليه الدخول أيضا إذا ظن أن هناك كشف عورة، فإن قيل أليس من الناس من جوز للبالغ من المماليك أن ينظر إلى شعر مولاته؟ قلنا من جوز ذلك أخرج الشعر من أن يكون عورة لحق الملك، كما يخرج من أن يكون عورة لحق الرحم، إذ العورة تنقسم ففيه ما يكون عورة على كل حال. وفيه ما يختلف حاله بالإضافة فيكون عورة مع الأجنبي غير عورة غيره على ما تقدم ذكره. السؤال الثالث: أتقولون هذه الإباحة مقصورة على الخدم دون غيرهم؟ الجواب: نعم