بالساعة فلا يرجون ثوابا ولا عقابا ولا يتحملون كلفة النظر والفكر، فلهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل، ثم قال: * (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو مسلم: * (وأعتدنا) * أي جعلناها عتيدا ومعدة لهم، والسعير النار الشديدة الاستعار، وعن الحسن أنه اسم من أسماء جهنم.
المسألة الثانية: احتج أصحابنا على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى: * (أعدت للمتقين) * (آل عمران: 133) وعلى أن النار التي هي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية وهي قوله: * (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) * وقوله: * (أعتدنا) * إخبار عن فعل وقع في الماضي، فدلت الآية على أن دار العقاب مخلوقة قال الجبائي يحتمل وأعتدنا النار في الدنيا وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم ويحتمل نار الآخرة ويكون معنى * (وأعتدنا) * أي سنعدها لهم كقوله: * (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) * (الأعراف: 44) واعلم أن هذا السؤال في نهاية السقوط لأن المراد من السعير، إما نار الدنيا وإما نار الآخرة، فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا أو يعذبهم في الآخرة بنار الدنيا، والأول باطل لأنه تعالى ما عذبهم بالنار في الدنيا، والتالي أيضا باطل لأنه لم يقل أحد من الأمة أنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا، فثبت أن المراد نار الآخرة وثبت أنها معدة، وحمل الآية على أن الله سيجعلها معدة ترك للظاهر من غير دليل، وعلى أن الحسن قال السعير اسم من أسماء جهنم فقوله: * (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) * صريح في أنه تعالى أعد جهنم.
المسألة الثالثة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن السعيد من سعد في بطن أمه فقالوا إن الذين أعد الله تعالى لهم السعير وأخبر عن ذلك وحكم به أن صاروا مؤمنين من أهل الثواب انقلب حكم الله بكونهم من أهل السعير كذبا وانقلب بذلك علمه جهلا، وهذا الانقلاب محال والمؤدي إلى المحال محال فصيرورة أولئك مؤمنين من أهل الثواب محال، فثبت أن السعيد لا ينقلب شقيا، والشقي لا ينقلب سعيدا، ثم إنه سبحانه وتعالى وصف السعير بصفات إحداها قوله: * (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: السعير مذكر ولكن جاء ههنا مؤنثا لأنه تعالى قال: * (رأتهم) * وقال: * (سمعوا لها) * وإنما جاء مؤنثا على معنى النار.
المسألة الثانية: مذهب أصحابنا أن البنية ليست شرطا في الحياة، فالنار على ما هي عليه يجوز أن يخلق الله الحياة والعقل والنطق فيها، وعند المعتزلة ذلك غير جائز، وهؤلاء المعتزلة ليس لهم في هذا الباب حجة إلا استقراء العادات، ولو صدق ذلك لوجب التكذيب بانخراق العادات في حق الرسل، فهؤلاء قولهم متناقض، بل إنكار العادات لا يليق إلا بأصول الفلاسفة، فعلى هذا قال أصحابنا قول الله تعالى في صفة النار: * (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) * يجب إجراؤه على الظاهر، لأنه لا امتناع في أن تكون النار حية رائية مغتاظة على الكفار، أما