الثاني فضعيف، لأن موضع الاستدلال لا بد وأن يكون معلوما، فأما بمحض التجويز فلا يحسن الاستدلال، لأنا نقول المراد من البحر العذب هذه الأودية، ومن الأجاج البحار الكبار، وجعل بينهما برزخا، أي حائلا من الأرض، ووجه الاستدلال ههنا بين، لأن العذوبة والملوحة إن كانت بسبب طبيعة الأرض أو الماء، فلا بد من الاستواء، وإن لم يكن كذلك فلا بد من قادر حكيم يخص كل واحد من الأجسام بصفة خاصة معينة.
قوله تعالى * (وهو الذى خلق من المآء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) *.
واعلم أن هذا هو النوع الخامس من دلائل التوحيد وفيه بحثان:
الأول: ذكروا في هذا الماء قولين: أحدهما: أنه الماء الذي خلق منه أصول الحيوان، وهو الذي عناه بقوله: * (والله خلق كل دابة من ماء) * (النور: 45) والثاني: أن المراد النطفة لقوله: * (خلق من ماء دافق) * (الطارق: 6)، * (من ماء مهين) * (المرسلات: 20).
البحث الثاني: المعنى أنه تعالى قسم البشر قسمين ذوي نسب، أي ذكورا ينسب إليهم، فيقال فلان بن فلان، وفلانة بنت فلان، وذوات صهر، أي إناثا (يصاهرن) ونحوه، قوله تعالى: * (فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) * (القيامة: 39)، * (وكان ربك قديرا) * حيث خلق من النطفة الواحدة نوعين من البشر الذكر والأنثى.
قوله تعالى * (ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا * ومآ أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا * قل مآ أسألكم عليه من أجر إلا من شآء أن يتخذ إلى ربه سبيلا * وتوكل على الحى الذى لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا) *.
واعلم أنه تعالى لما شرح دلائل التوحيد عاد إلى تهجين سيرتهم في عبادة الأوثان، وفي الآية مسائل: