السماء جبال من برد، وإذا صح في القدرة كلا الأمرين فلا وجه لترك الظاهر.
المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي قوله تعالى: * (من السماء من جبال فيها من برد) * فمن الأولى لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء، والثانية للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي في السماء، والثالثة للتبيين لأن جنس تلك الجبال جنس البرد، ثم قال ومفعول الإنزال محذوف والتقدير وينزل من السماء من جبال فيها من برد، إلا أنه حذف للدلالة عليه.
أما قوله: * (فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء) * فالظاهر أنه راجع إلى البرد، ومعلوم من حاله أنه قد يضر ما يقع عليه من حيوان ونبات، فبين سبحانه أنه يصيب به من يشاء على وفق المصلحة ويصرفه، أي يصرف ضرره عمن يشاء بأن لا يسقط عليه، ومن الناس من حمل البرد على الحجر وجعل نزوله جاريا مجرى عذاب الاستئصال وذلك بعيد.
أما قوله تعالى: * (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء * (يكاد سنا برقه) * على الإدغام وقرئ (برقه) جمع برقة وهي المقدار من البرق وبرقه بضمتين للاتباع كما قيل في جمع فعلة فعلات كظلمات، و (سناء برقه) على المد والمقصور بمعنى الضوء والممدود بمعنى العلو والارتفاع من قولك سنى للمرتفع و * (يذهب بالأبصار) * على زيادة الباء كقوله: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (البقرة: 195) عن أبي جعفر المدني.
المسألة الثانية: وجه الاستدلال بقوله: * (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) * أن البرق الذي يكون صفته ذلك لا بد وأن يكون نارا عظيمة خالصة، والنار ضد الماء والبرد فظهوره من البرد يقتضي ظهور الضد من الضد، وذلك لا يمكن إلا بقدرة قادر حكيم.
المسألة الثالثة: اختلف النحويون في أنك إذا قلت ذهبت بزيد إلى الدار فهل يجب أن تكون ذاهبا معه إلى الدار، فالمنكرون احتجوا بهذه الآية.
أما قوله: * (يقلب الله الليل والنهار) * فقيل فيه وجوه: منها تعاقبهما ومجئ أحدهما بعد الآخر وهو كقوله: * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) * (الفرقان: 62) ومنها ولوج أحدهما في الآخر وأخذ أحدهما من الآخر. ومنها تغير أحوالهما في البرد والحر وغيرهما ولا يمتنع في مثل ذلك أن يريد تعالى معاني الكل لأنه في الإنعام والاعتبار أولى وأقوى.
أما قوله تعالى: * (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) * فالمعنى أن فيما تقدم ذكره دلالة لمن يرجع إلى بصيرة، فمن هذا الوجه يدل أن الواجب على المرء أن يتدبر ويتفكر في هذه الأمور، ويدل أيضا على فساد التقليد.
قوله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين