سورة الفرقان سبع وسبعون آية مكية قوله تعالى * (تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذى له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شىء فقدره تقديرا) *.
اعلم أن الله سبحانه وتعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة وأحوال القيامة، ثم ختمها بذكر صفات العباد المخلصين الموقنين، ولما كان إثبات الصانع وإثبات صفات جلاله يجب أن يكون مقدما على الكل لا جرم افتتح الله هذه السورة بذلك فقال: * (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الزجاج: تبارك: تفاعل من البركة، والبركة كثرة الخير وزيادته وفيه معنيان: أحدهما: تزايد خيره وتكاثر، وهو المراد من قوله: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * (إبراهيم: 34) والثاني: تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو المراد من قوله: * (ليس كمثله شيء) * (الشورى: 11) وأما تعاليه عن كل شيء في ذاته، فيحتمل أن يكون المعنى جل بوجوب وجوده وقدمه عن جواز الفناء والتغير عليه، وأن يكون المعنى جل بفردانيته ووحدانيته عن مشابهة شيء من الممكنات، وأما تعاليه عن كل شيء في صفاته فيحتمل أن يكون المعنى جل أن يكون علمه ضروريا أو كسبيا أو تصورا أو تصديقا وفي قدرته أن يحتاج إلى مادة ومدة ومثال وجلب غرض ومنال، وأما في أفعاله فجل أن يكون الوجود والبقاء وصلاح حال الوجود إلا من قبله، وقال آخرون: أصل الكلمة تدل على البقاء، وهو مأخوذ من بروك البعير، ومن بروك الطير على الماء، وسميت البركة بركة لثبوت الماء فيها، والمعنى أنه سبحانه وتعالى باق في ذاته أزلا وأبدا ممتنع التغير وباق