كانت طريقة الدلالة في المعجزتين واحدة، فإما إذا اختلفت وأمكن في إحداهما إزالة الشبهة ما لا يمكن في الأخرى، فغير ممتنع أن يختلفا ويصلح عند ذلك أن يقال إنهما بمجموعهما أقوى من إحداهما على ما قاله السدي، لكن ذلك لا يتأتى في موسى وهارون عليهما السلام، لأن معجزتهما كانت واحدة لا متغايرة.
أما قوله: * (سنشد عضدك بأخيك) * فاعلم أن العضد قوام اليد وبشدتها تشتد، يقال في دعاء الخير شد الله عضدك، وفي ضده فت الله في عضدك. ومعنى سنشد عضدك بأخيك سنقويك به، فإما أن يكون ذلك لأن اليد تشتد لشدة العضد والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور، وإما لأن الرجل شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد فجعل كأنه يد مشتدة بعضد شديدة.
أما قوله: * (ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما) * فالمقصود أن الله تعالى آمنه مما كان يحذر فإن قيل بين تعالى أن السلطان هو بالآيات فكيف لا يصلون إليهما لأجل الآيات أو ليس فرعون قد وصل إلى صلب السحرة وإن كانت هذه الآيات ظاهرة، قلنا إن الآية التي هي قلب العصا حية كما أنها معجزة فهي أيضا تمنع من وصول ضرر فرعون إلى موسى وهارون عليهما السلام، لأنهم إذا علموا أنه متى ألقاها صارت حية عظيمة وإن أراد إرسالها عليهم أهلكتهم زجرهم ذلك عن الإقدام عليهما فصارت مانعة من الوصول إليهما بالقتل وغيره وصارت آية ومعجزة فجمعت بين الأمرين، فأما صلب السحرة ففيه خلاف فمنهم من قال ما صلبوا وليس في القرآن ما يدل عليه وإن سلمنا ذلك ولكنه تعالى قال: * (فلا يصلون إليكما) * فالمنصوص أنهم لا يقدرون على إيصال الضرر إليهما وإيصال الضرر إلى غيرهما لا يقدح فيه، ثم قال: * (أنتما ومن اتبعكما الغالبون) * والمراد إما الغلبة بالحجة والبرهان في الحال، أو الغلبة في الدولة والمملكة في ثاني الحال والأول أقرب إلى اللفظ.
أما قوله: * (فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات) * فقد بينا في سورة طه أنه كيف أطلق لفظ الآيات وهو جمع على العصا واليد.
أما قوله: * (قالوا ما هذا إلا سحر مفترى) * فقد اختلفوا في مفترى، فقال بعضهم المراد أنه إذا كان سحرا وفاعله يوهم خلافه فهو المفترى، وقال الجبائي المراد أنه منسوب إلى الله تعالى وهو من قبله فكأنهم قالوا هو كذب من هذا الوجه ثم ضموا إليه ما يدل على جهلهم وهو قولهم: * (وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) * أي ما حدثنا بكونه فيهم، ولا يخلو من أن يكونوا كاذبين في ذلك وقد سمعوا مثله، أو يريدوا أنهم لم يسمعوا بمثله في فظاعته، أو ما كان الكهان يخبرون بظهور موسى عليه السلام ومجيئه بما جاء به. واعلم أن هذه الشبهة ساقطة لأن حاصلها يرجع إلى التقليد ولأن حال الأولين لا يخلو من وجهين، إما أن لا يورد عليهم بمثل هذه الحجة فحينئذ الفرق ظاهر أو أورد عليهم فدفعوه فحينئذ