أما قوله: * (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة) * معناه لعنة الله والملائكة لهم وأمره تعالى بذلك فيها للمؤمنين، وبين أنهم يوم القيامة من المقبوحين أي المبعدين الملعونين، والقبح هو الإبعاد، قال الليث يقال قبحه الله، أي نحاه عن كل خير. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من المشئومين بسواد الوجه وزرقة العين، وعلى الجملة فالأولون حملوا القبح على القبح الروحاني وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، والباقون حملوه على القبح في الصور. وقيل فيه إنه تعالى يقبح صورهم ويقبح عليهم عملهم ويجمع بين الفضيحتين. ثم بين تعالى أن الذي يجب التمسك به ما جاء به موسى عليه السلام فقال: * (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) * والكتاب هو التوراة، ووصفه تعالى بأنه بصائر للناس، من حيث يستبصر به في باب الدين، وهدى من حيث يستدل به، ومن حيث إن المتمسك به يفوز بطلبته من الثواب، ووصفه بأنه رحمة لأنه من نعم الله تعالى على من تعبد به. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أهلك الله تعالى قرنا من القرون بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل التوراة، غير أهل القرية التي مسخها قردة ".
أما قوله: * (لعلهم يتذكرون) * فالمراد لكي يتذكروا، قال القاضي: وذلك يدل على إرادة التذكر من كل مكلف سواء اختار ذلك أو لم يختره، ففيه إبطال مذهب المجبرة الذين يقولون ما أراد التذكر إلا ممن يتذكر، فأما من لا يتذكر فقد كره ذلك منه، ونص القرآن دافع لهذا القول، قلنا أليس أنكم حملتم قوله تعالى: * (ولقد ذرأنا لجهنم) * (الأعراف: 179) على العاقبة، فلم لا يجوز حمله ههنا على العاقبة، فإن عاقبة الكل حصول هذا التذكر له وذلك في الآخرة.
قوله تعالى * (وما كنت بجانب الغربى إذ قضينآ إلى موسى الامر وما كنت من الشاهدين * ولكنآ أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلو عليهم ءاياتنا ولكنا كنا مرسلين * وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير