لذلك يعود السؤال، وأما ظاهر هذه الآية فهو وإن كان لهم لكنه معارض بسائر الظواهر المطابقة لقولنا.
المسألة الرابعة: ظاهر الآية يدل على أن هذا السؤال من الله تعالى وإن احتمل أن يكون ذلك من الملائكة بأمر الله تعالى. بقي على الآية سؤالات.
الأول: ما فائدة أنتم وهم؟ وهلا قيل أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل؟ الجواب: ليس السؤال عن الفعل ووجوده، لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن فاعله فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام حتى يعلم أنه المسؤول عنه.
السؤال الثاني: أنه سبحانه كان عالما في الأزل بحال المسؤول عنه فما فائدة هذا السؤال؟ الجواب: هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين كما قال لعيسى: * (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * (المائدة: 116) ولأن أولئك المعبودين لما برؤا أنفسهم، وأحالوا ذلك الضلال عليهم صار تبرؤ المعبودين عنهم أشد في حسرتهم وحيرتهم.
السؤال الثالث: قال تعالى: * (أم هم ضلوا السبيل) * والقياس أن يقال ضل عن السبيل، الجواب: الأصل ذلك، إلا أن الإنسان إذا كان متناهيا في التفريط وقلة الاحتياط، يقال ضل السبيل.
أما قوله: * (سبحانك) * فاعلم أنه سبحانه حكى جوابهم، وفي قوله: * (سبحانك) * وجوه: أحدها: أنه تعجب منهم فقد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه وثانيها: أنهم نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون (المقدسون المؤمنون) بذلك فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده وثالثها: قصدوا به تنزيهه عن الأنداد، سواء كان وثنا أو نبيا أو ملكا ورابعها: قصدوا تنزيهه أن يكون مقصوده من هذا السؤال استفادة علم أو إيذاء من كان بريئا عن الجرم، بل إنه إنما سألهم تقريعا للكفار وتوبيخا لهم.
أما قوله: * (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: القراءة المعروفة * (أن نتخذ) * بفتح النون وكسر الخاء وعن أبي جعفر وابن عامر برفع النون وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله، قال الزجاج أخطأ من قرأ * (أن نتخذ) * بضم النون لأن (من) إنما تدخل في هذا الباب في الأسماء إذا كان مفعولا أولا ولا تدخل على مفعول الحال تقول ما اتخذت من أحد وليا، ولا يجوز ما اتخذت أحدا من ولي، قال صاحب " الكشاف " اتخذ يتعدى إلى مفعول واحد كقولك اتخذ وليا، وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلانا وليا، قال الله تعالى: * (واتخذ الله إبراهيم خليلا) * (النساء: 125) والقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو * (من أولياء) *، والأصل أن نتخذ أولياء فزيدت من لتأكيد معنى النفي، والثانية من المتعدي إلى مفعولين، فالأول ما بني له الفعل، والثاني * (من