أما قوله تعالى: * (أن يذكر) * فقراءة العامة بالتشديد وقراءة حمزة بالتخفيف وعن أبي بن كعب (يتذكر)، والمعنى لينظر الناظر في اختلافهما فيعلم أنه لا بد في انتقالهما من حال إلى حال (وتغيرهما) من ناقل ومغير وقوله: * (أن يذكر) * راجع إلى كل ما تقدم من النعم، بين تعالى أن الذين قالوا وما الرحمن لو تفكروا في هذه النعم وتذكروها لاستدلوا بذلك على عظيم قدرته، ولشكر الشاكرين على النعمة فيهما من السكون بالليل والتصرف بالنهار كما قال تعالى: * (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) * (القصص: 73) أو ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين، من فاته في أحدهما ورد من العبادة قام به في الآخر، والشكور مصدر شكر يشكر شكورا.
قوله تعالى * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما * والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما * إنها سآءت مستقرا ومقاما * والذين إذآ أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) *.
اعلم أن قوله: * (وعباد الرحمن) * مبتدأ خبره في آخر السورة كأنه قيل وعباد الرحمن الذين هذه صفاتهم أولئك يجزون الغرفة، ويجوز أن يكون خبره * (الذين يمشون) *، واعلم أنه سبحانه خص اسم العبودية بالمشتغلين بالعبودية، فدل ذلك على أن هذه الصفة من أشرف صفات المخلوقات، وقرئ * (وعباد الرحمن) * واعلم أنه سبحانه وصفهم بتسعة أنواع من الصفات:
الصفة الأولى: قوله: * (الذين يمشون على الأرض هونا) * وهذا وصف سيرتهم بالنهار وقرئ * (يمشون) * * (هونا) * حال أو صفة للمشي بمعنى هينين أو بمعنى مشيا هينا، إلا أن في وضع المصدر موضع الصفة مبالغة، والهون الرفق واللين ومنه الحديث " أحبب حبيبك هونا ما " وقوله: " المؤمنون هينون لينون " والمعنى أن مشيهم يكون في لين وسكينة ووقار وتواضع، ولا يضربون بأقدامهم (ولا يخفقون بنعالهم) أشرا وبطرا، ولا يتبخترون لأجل الخيلاء كما قال: * (ولا تمش في الأرض مرحا) * (الإسراء: 37) وعن زيد بن