المسألة الأولى: قرىء * (على أمر جميع) * ثم ذكروا في قوله * (على أمر جامع) * وجوها: أحدها: أن الأمر الجامع هو الأمر الموجب للاجتماع عليه فوصف الأمر بالجمع على سبيل المجاز، وذلك نحو مقاتلة عدو أو تشاور في خطب مهم أو الأمر الذي يعم ضرره ونفعه وفي قوله: * (إذا كانوا معه على أمر جامع) * إشارة إلى أنه خطب جليل لا بد لرسول صلى الله عليه وسلم من أرباب التجارب والآراء ليستعين بتجاربهم فمفارقة أحدهم في هذه الحالة مما يشق على قلبه وثانيها: عن الضحاك في أمر جامع الجمعة والأعياد وكل شيء تكون فيه الخطبة وثالثها: عن مجاهد في الحرب وغيره.
المسألة الثانية: اختلفوا في سبب نزوله قال الكلبي: كان صلى الله عليه وسلم يعرض في خطبته بالمنافقين ويعيبهم فينظر المنافقون يمينا وشمالا فإذا لم يرهم أحد انسلوا وخرجوا ولم يصلوا، وإن أبصرهم أحد ثبتوا وصلوا خوفا، فنزلت هذه الآية فكان بعد نزول هذه الآية لا يخرج المؤمن لحاجته حتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المنافقون يخرجون بغير إذن.
المسألة الثالثة: قال الجبائي هذا يدل على أن استئذانهم الرسول من إيمانهم، ولولا ذلك لجاز أن يكونوا كاملي الإيمان وإن تركوا الاستئذان، وذلك يدل على أن كل فرض لله تعالى واجتناب محرم من الإيمان والجواب: هذا بناء على أن كلمة * (إنما) * للحصر وأيضا فالمنافقون إنما تركوا الاستئذان استخفافا ولا نزاع في أنه كفر.
أما قوله تعالى: * (إن الذين يستأذنونك) * إلى قوله: * (إن الله غفور رحيم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: * (إن الذين يستأذنونك) * المعنى تعظيما لك ورعاية للأدب * (أولئك هم الذين يؤمنون بالله ورسوله) * أي يعملون بموجب الإيمان ومقتضاه، قال الضحاك ومقاتل: المراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك لأنه استأذن في غزوة تبوك في الرجوع إلى أهله فأذن له وقال له انطلق فوالله ما أنت بمنافق يريد أن يسمع المنافقين ذلك الكلام، فلما سمعوا ذلك قالوا ما بال محمد إذا استأذنه أصحابه أذن لهم، وإذا استأذناه لم يأذن لنا فوالله ما نراه يعدل، وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له، ثم قال يا أبا حفص لا تنسنا من صالح دعائك، وفي قوله: * (واستغفر لهم الله) * وجهان: أحدهما: أن يستغفر لهم تنبيها على أن الأولى أن لا يقع الاستئذان منهم وإن أذن، لأن الاستغفار يدل على الذنب وربما ذكر عند بعض الرخص الثاني: يحتمل أنه تعالى أمره بأن يستغفر لهم مقابلة على تمسكهم بآداب الله تعالى في الاستئذان.
المسألة الثانية: قال قتادة نسخت هذه الآية قوله تعالى: * (لم أذنت لهم) * (التوبة: 43).
المسألة الثالثة: الآية تدل على أنه سبحانه فوض إلى رسوله بعض أمر الدين ليجتهد فيه برأيه.
أما قوله تعالى: * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * ففيه وجوه: أحدها: وهو اختيار المبرد والقفال، ولا تجعلوا أمره إياكم ودعاءه لكم كما يكون من بعضكم لبعض إذ كان