القرآن مهجورا) * في المعنى كقول نوح عليه السلام * (رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) * (نوح: 5، 6) وكما أن المقصود من هذا إنزال العذاب فكذا ههنا فكيف يليق هذا بمن وصفه الله بالرحمة في قوله: * (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) * (الأنبياء: 107)؟ جوابه: أن نوحا عليه السلام لما ذكر ذلك دعا عليهم، وأما محمد عليه الصلاة والسلام فلما ذكر هذا ما دعا عليهم بل انتظر فلما قال تعالى: * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) * كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك الدعاء عليهم فظهر الفرق.
المسألة الثالثة: قوله * (جعلنا) * صيغة العظماء والتعظيم إذا ذكر نفسه في كل معرض من التعظيم وذكر أنه يعطي فلا بد وأن تكون تلك العطية عظيمة كقوله: * (ولقد أتيناك سبعا من المثاني) * (الحجر: 87) وقوله: * (إنا أعطيناك الكوثر) * (الكوثر: 1) فكيف يليق بهذه الصيغة أن تكون تلك العطية هي العداوة التي هي منشأ الضرر في الدين والدنيا؟ وجوابه: أن خلق العداوة سبب لازدياد المشقة التي هي موجبة لمزيد الثواب والله أعلم.
المسألة الرابعة: يجوز أن يكون العدو واحدا وجمعا كقوله: * (فإنهم عدو لي) * (الشعراء: 77) وجاء في التفسير أن عدو الرسول صلى الله عليه وسلم أبو جهل.
أما قوله: * (وكفى بربك هاديا ونصيرا) * فقال الزجاج الباء زائدة يعني كفى ربك وهاديا ونصيرا منصوبان على الحال هاديا إلى مصالح الدين والدنيا، ونصيرا على الأعداء، ونظيره * (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) *. (الأنفال: 64) قوله تعالى * (وقال الذين كفروا لولا انزل عليه القرءان جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا * الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا) *.
اعلم أن هذا هو الشبهة الخامسة لمنكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أهل مكة قالوا تزعم أنك رسول من عند الله أفلا تأتينا بالقرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة جملة على موسى والإنجيل على عيسى