المانع، كالسهم يصيب جسما متحركا فيعطفه تارة إلى جهته إن كان الحابس كما يقدر على صرف المتحرك عن متوجهه يقدر أيضا على صرفه إلى جهة حركة نفسه وتارة إلى خلاف تلك الجهة إذا كان المفارق يقدر على الحبس ولا يقدر على الصرف الثاني: أنه ربما كان صعود بعض الأدخنة من تحت مانعا للأدخنة النازلة من فوق إلى أن يتسفل ذلك فلأجل هذا السبب يتحرك إلى سائر الجوانب، واعلم أن لأهل الإسلام ههنا مقامين: الأول: أن يقيم الدلالة على فساد هذه العلة وبيانه من وجهين: الأول: أن الأجزاء الدخانية أرضية فهي أثقل من الأجزاء البخارية المائية، ثم إن البخار لما يبرد ينزل على الخط المستقيم مطرا فالدخان لما برد فلماذا لم ينزل على الخط المستقيم بل ذهب يمنة ويسرة؟ الثاني: أن حركة تلك الأجزاء إلى أسفل طبيعية وحركتها يمنة ويسرة عرضية والطبيعية أقوى من العرضية، وإذا لم يكن أقوى فلا أقل من المساواة، ثم إن الريح عند حركتها يمنة ويسرة ربما تقوى على قلع الأشجار ورمي الجدار بل الجبال، فتلك الأجزاء الدخانية عندما تحركت حركتها الطبيعية التي لها وهي الحركة إلى السفل وجب أن تهدم السقف، ولكنا نرى الغبار الكثير ينزل من الهواء ويسقط على السقف ولا يحس بنزوله فضلا عن أن يهدمه فثبت فساد ما ذكروه المقام الثاني: هب أن الأمر كما ذكروه ولكن الأسباب الفاعلية والقابلية لها مخلوقة لله سبحانه وتعالى، فإنه لولا الشمس وتأثيرها في تصعيد الأبخرة والأدخنة ولولا طبقات الهواء، وإلا لما حدثت هذه الأمور، ومعلوم أن من وضع أسبابا فأدته إلى منافع عجيبة وحكم بالغة فذلك الواضع هو الذي فعل تلك المنافع، فعلى جميع الأحوال لا بد من شهادة هذه الأمور على مدبر حكيم واجب لذاته، قطعا لسلسلة الحاجات.
النوع الخامس - ما يتعلق بالحشر والنشر قوله تعالى * (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السمآء والارض أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) *.
اعلم أنه تعالى لما عدد نعم الدنيا أتبع ذلك بنعم الآخرة بقوله: * (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده) * لأن نعم الآخرة بالثواب لا تتم إلا بالإعادة بعد الابتداء والإبلاغ إلى حد التكليف فقد تضمن الكلام كل هذه النعم، ومعلوم أنها لا تتم إلا بالأرزاق فلذلك قال: * (ومن يرزقكم من السماء والأرض) *، ثم قال: * (أإله مع الله) * منكرا لما هم عليه، ثم بين بقوله: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * أن لا برهان لكم فإذن هم مبطلون، وهذا يدل على أنه لا بد في الدعوى من