في صفاته ممتنع التبدل، ولما كان سبحانه وتعالى هو الخالق لوجوه المنافع والمصالح والمبقى لها وجب وصفه سبحانه بأنه تبارك وتعالى.
المسألة الثانية: قال أهل اللغة: كلمة (الذي) موضوعة للإشارة إلى الشيء عند محاولة تعريفه بقضية معلومة، وعند هذا يتوجه الإشكال، وهو أن القوم ما كانوا عالمين بأنه سبحانه هو الذي نزل الفرقان فكيف حسن ههنا لفظ (الذي)؟ وجوابه: أنه لما قامت الدلالة على كون القرآن معجزا ظهر بحسب الدليل كونه من عند الله، فلقوة الدليل وظهوره أجراه سبحانه وتعالى مجرى المعلوم.
المسألة الثالثة: لا نزاع أن الفرقان هو القرآن وصف بذلك من حيث إنه سبحانه فرق به بين الحق والباطل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبين الحلال والحرام، أو لأنه فرق في النزول كما قال: * (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) * (الإسراء: 106) وهذا التأويل أقرب لأنه قال: * (نزل الفرقان) * ولفظة (نزل) تدل على التفريق، وأما لفظة (أنزل) فتدل على الجمع، ولذلك قال في سورة آل عمران: * (نزل عليك الكتاب بالحق... وأنزل التوراة والإنجيل) * (آل عمران: 3) واعلم أنه سبحانه وتعالى لما قال أولا * (تبارك) * ومعناه كثرة الخير والبركة، ثم ذكر عقبه أمر القرآن دل ذلك على أن القرآن منشأ الخيرات وأعم البركات، لكن القرآن ليس إلا منبعا للعلوم والمعارف والحكم، فدل هذا على أن العلم أشرف المخلوقات وأعظم الأشياء خيرا وبركة.
المسألة الرابعة: لا نزاع أن المراد من العبد ههنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعن ابن الزبير على عباده وهم رسول الله وأمته كما قال: * (لقد أنزلنا إليكم) * (الأنبياء: 10)، * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) * (البقرة: 136)، وقوله: * (ليكون للعالمين نذيرا) * فالمراد ليكون هذا العبد نذيرا للعالمين، وقول من قال: إنه راجع إلى الفرقان فأضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله: * (إن هذا القرآن يهدي) * (الأسراء: 9) فبعيد وذلك لأن المنذر والنذير من صفات الفاعل للتخويف، وإذا وصف به القرآن فهو مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة إذا أمكن هو الواجب، ثم قالوا هذه الآية تدل على أحكام: الأول: أن العالم كل ما سوى الله تعالى ويتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة، لكنا أجمعنا أنه عليه السلام لم يكن رسولا إلى الملائكة فوجب أن يكون رسولا إلى الجن والإنس جميعا، ويبطل بهذا قول من قال إنه كان رسولا إلى البعض دون البعض الثاني: أن لفظ * (العالمين) * يتناول جميع المخلوقات فدلت الآية على أنه رسول للخلق إلى يوم القيامة، فوجب أن يكون خاتم الأنبياء والرسل الثالث: قالت المعتزلة دلت الآية على أنه سبحانه أراد الإيمان وفعل الطاعات من الكل، لأنه إنما بعثه إلى الكل ليكون نذيرا للكل، وأراد من الكل الاشتغال بالحسن والإعراض عن القبيح وعارضهم أصحابنا بقوله تعالى: * (ولقد ذرأنا لجهنم) * (لأعراف: 179) الآية، الرابع: لقائل أن يقول إن قوله * (تبارك) * كما دل على كثرة الخير والبركة لا بد وأن يكون المذكور عقيبه ما يكون سببا لكثرة الخير