المعلومات، فلما دل القرآن من هذه الوجوه على أنه ليس إلا كلام بكل المعلومات لا جرم اكتفى في جواب شبههم بقوله: * (قل أنزله الذي يعلم السر) *.
البحث الثاني: اختلفوا في المراد بالسر، فمنهم من قال المعنى أن العالم بكل سر في السماوات والأرض هو الذي يمكنه إنزال مثل هذا الكتاب، وقال أبو مسلم: المعنى أنه أنزله من يعلم السر فلو كذب عليه لانتقم منه لقوله تعالى: * (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين) * (الحاقة: 44) وقال آخرون: المعنى أنه يعلم كل سر خفي في السماوات والأرض، ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله مع علمكم بأن ما يقوله حق ضرورة، وكذلك باطن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبراءته مما تتهمونه به، وهو سبحانه مجازيكم ومجازيه على ما علم منكم وعلم منه.
البحث الثالث: إنما ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع لوجهين: الأول: قال أبو مسلم المعنى أنه إنما أنزله لأجل الإنذار فوجب أن يكون غفورا رحيما غير مستعجل في العقوبة الثاني: أنه تنبيه على أنهم استوجبوا بمكايدتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبا ولكن صرف ذلك عنهم كونه غفورا رحيما يمهل ولا يعجل.
الشبهة الثالثة: وهي في نهاية الركاكة ذكروا له صفات خمسة فزعموا أنها تخل بالرسالة إحداها: قولهم: * (مال هذا الرسول يأكل الطعام) * وثانيتها: قولهم: * (ويمشي في الأسواق) * يعني أنه لما كان كذلك فمن أين له الفضل علينا وهو مثلنا في هذه الأمور وثالثتها: قولهم: * (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) * يصدقه أو يشهد له ويرد على من خالفه ورابعتها: قولهم: * (أو يلقى إليه كنز) * أي من السماء فينفقه فلا يحتاج إلى التردد لطلب المعاش وخامستها: قولهم: * (أو تكون له جنة يأكل منها) * قرأ حمزة والكسائي * (نأكل منها) * بالنون وقرأ الباقون بالياء والمعنى إن لم يكن لك كنز فلا أقل من أن تكون كواحد من الدهاقين فيكون لك بستان تأكل منه وسادستها: قولهم: * (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * وقد تقدمت هذه القصة في آخر سورة بني إسرائيل فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة من وجوه: أحدها: قوله: * (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) * وفيه أبحاث:
الأول: أن هذا كيف يصلح أن يكون جوابا عن تلك الشبهة؟ وبيانه أن الذي يتميز الرسول به عن غيره هو المعجزة وهذه الأشياء التي ذكروها لا يقدح شيء منها في المعجزة فلا يكون شيء منها قادحا في النبوة، فكأنه تعالى قال انظر كيف اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك لم يجدوا إلى القدح فيه سبيلا البتة إذ الطعن عليه إنما يكون بما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول وفيه وجه آخر وهو أنهم لما ضلوا لم يبق فيهم استطاعة قبول الحق، وهذا إنما يصح على مذهبنا وتقريره بالعقل ظاهر، وذلك لأن الإنسان إما أن يكون مستوى الداعي إلى الحق والباطل، وإما أن يكون داعيته إلى أحدهما أرجح من داعيته إلى الثاني، فإن كان الأول فحال الاستواء ممتنع الرجحان فيمتنع الفعل