لنا، وقرئ * (يأمرنا) * بالياء كأن بعضهم قال لبعض أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو، وزادهم أمره نفورا، ومن حقه أن يكون باعثا على الفعل والقبول. قال الضحاك: فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي عثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين. فهذا هو المراد من قوله: * (وزادهم نفورا) * أي فزادهم سجودهم نفورا.
قوله تعالى * (تبارك الذى جعل فى السمآء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا * وهو الذى جعل اليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) *.
اعلم أنه سبحانه لما حكى عن الكفار مزيد النفرة عن السجود ذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود والعباد للرحمن فقال: * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * أما تبارك فقد تقدم القول فيه، وأما البروج فهي منازل السيارات وهي مشهورة سميت بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها، واشتقاق البروج من التبرج لظهوره، وفيه قول آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن البروج هي الكواكب العظام والأول أولى لقوله تعالى: * (وجعل فيها) * أي في البروج فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون قوله * (فيها) * راجعا إلى السماء دون البروج؟ قلنا لأن البروج أقرب فعود الضمير إليها أولى. والسراج الشمس لقوله تعالى: * (وجعل الشمس سراجا) * (نوح: 16) وقرئ * (سرجا) * وهي الشمس والكواكب الكبار فيها وقرأ الحسن والأعمش * (وقمرا منيرا) * وهي جمع ليلة قمراء كأنه قيل وذا قمرا منيرا، لأن الليالي تكون قمراء بالقمر فأضافه إليها، ولا يبعد أن يكون القمر بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب. وأما الخلفة ففيها قولان: الأول: أنها عبارة عن كون الشيئين بحيث أحدهما يخلف الآخر ويأتي خلفه، يقال بفلان خلفة واختلاف، إذا اختلف كثيرا إلى متبرزه، والمعنى جعلهما ذوي خلفة أي ذوي عقبة يعقب هذا ذاك وذاك هذا. قال ابن عباس رضي الله عنهما جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه فمن فرط في عمل في أحدهما قضاه في الآخر، قال أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب وقد فاتته قراءة القرآن بالليل: " يا ابن الخطاب لقد أنزل الله فيك آية وتلا: * (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر) * ما فاتك من النوافل بالليل فاقضه في نهارك، وما فاتك من النهار فاقضه في ليلك " القول الثاني: وهو قول مجاهد وقتادة والكسائي يقال لكل شيئين اختلفا هما خلفان فقوله * (خلفة) * أي مختلفين وهذا أسود وهذا أبيض وهذا طويل وهذا قصير، والقول الأول أقرب.