العموم وإنما يفيد الماهية فقط، والحكم المثبت للماهية يكفي في صدقه ثبوته في فرد واحد من أفراد الماهية، وأيضا فإنه تعالى وعد بالاستجابة ولم يذكر أنه يستجيب في الحال وتمام القول في شرائط الدعاء والإجابة مذكور في قوله تعالى: * (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) * (غافر: 60) فأما قوله تعالى: * (ويكشف السوء) * فهو كالتفسير للاستجابة، فإنه لا يقدر أحد على كشف ما دفع إليه من فقر إلى غنى ومرض إلى صحة وضيق إلى سعة إلا القادر الذي لا يعجز والقاهر الذي لا ينازع وثانيهما: قوله: * (ويجعلكم خلفاء الأرض) * فالمراد توارثهم سكناها والتصرف فيها قرنا بعد قرن وأراد بالخلافة الملك والتسلط، وقرئ * (يذكرون) * بالياء مع الإدغام وبالتاء مع الإدغام وبالحذف وما مزيدة أي يذكرون تذكرا قليلا، والمعنى نفي التذكر والقلة تستعمل في معنى النفي.
النوع الرابع - ما يتعلق أيضا باحتياج الخلق ولكنه حاجة خاصة في وقت خاص قوله تعالى * (أمن يهديكم فى ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدى رحمته أءله مع الله تعالى الله عما يشركون) *.
اعلم أنه تعالى نبه في هذه الآية على أمرين: الأول: قوله: * (أمن يهديكم) * والمراد يهديكم بالنجوم في السماء والعلامات في الأرض إذا جن الليل عليكم مسافرين في البر والبحر الثاني: قوله: * (ومن يرسل الرياح) * فإنه سبحانه هو الذي يحرك الرياح فتثير السحاب ثم تسوقه إلى حيث يشاء، فإن قيل لا نسلم أنه تعالى هو الذي يحرك الرياح، فإن الفلاسفة قالت الرياح إنما تتولد عن الدخان وليس الدخان كله هو الجسم الأسود المرتفع مما احترق بالنار، بل كل جسم أرضي يرتفع بتصعيد الحرارة سواء كانت الحرارة حرارة النار أو حرارة الشمس فهو دخان قالوا وتولد الرياح من الأدخنة على وجهين أحدهما أكثري، والآخر أقلي، أما الأكثري فهو أنه إذا صعدت أدخنة كثيرة إلى فوق فعند وصولها إلى الطبقة الباردة إما أن ينكسر حرها ببرد ذلك الهواء أو لا ينكسر فإن انكسر فلا محالة يثقل وينزل فيحصل من نزولها تموج الهواء فتحدث الريح، وإن لم ينكسر حرها ببرد ذلك الهواء فلا بد وأن يتصاعد إلى أن يصل إلى كرة النار المتحركة بحركة الفلك وحينئذ لا يتمكن من الصعود بسبب حركة النار فترجع تلك الأدخنة وتصير ريحا، لا يقال لو كان اندفاع هذه الأدخنة بسبب حركة الهواء العالي لما كانت حركتها إلى أسفل بل إلى جهة حركة الهواء العالي لأنا نقول الجواب من وجهين: أحدهما: أنه ربما أوجبت هيئة صعود تلك الأدخنة وهيئة لحوق المادة بها أن يتحرك إلى خلاف جهة المتحرك