أن إباحة الأكل لا تتوقف على الاستئذان، واختلف العلماء فيه فنقل عن قتادة أن الأكل مباح ولكن لا يجمل، وجمهور العلماء أنكروا ذلك ثم اختلفوا على وجوه: الأول: كان ذلك في صدر الإسلام ثم نسخ لك بقوله عليه الصلاة والسلام: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " ومما يدل على هذا النسخ قوله: * (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) * (الأحزاب: 53) وكان في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من لهن الآباء والأخوة والأخوات، فعم بالنهي عن ذهول بيوتهن إلا بعد الإذن في الدخول وفي الأكل، فإن قيل إنما أذن تعالى في هذا لأن المسلمين لم يكونوا يمنعون قراباتهم هؤلاء من أن يأكلوا من بيوتهم حضروا أو غابوا، فجاز أن يرخص في ذلك، قلنا لو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص هؤلاء الأقارب بالذكر معنى لأن غيرهم كهم في ذلك الثاني: قال أبو مسلم الأصفهاني: المراد من هؤلاء الأقارب إذا لم يكونوا مؤمنين، وذلك لأنه تعالى نهى من قبل عن مخالطتهم بقوله: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * (المجادلة: 22) ثم إنه سبحانه أباح في هذه الآية ما حظره هناك، قال ويدل عليه أن في هذه السورة أمر بالتسليم على أهل البيوت فقال: * (حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * (النور: 27) وفي بيوت هؤلاء المذكورين لم يأمر بذلك، بل أمر أن يسلموا على أنفسهم، والحاصل أن المقصود من هذه الآية إثبات الإباحة في الجملة، لا إثبات الإباحة في جميع الأوقات الثالث: أنه لما علم بالعادة أن هؤلاء القوم تطيب أنفسهم بأكل من يدخل عليهم والعادة كالإذن في ذلك، فيجوز أن يقال خصهم الله بالذكر، لأن هذه العادة في الأغلب توجد فيهم ولذلك ضم إليهم الصديق، ولما علمنا أن هذه الإباحة إنما حصلت في هذه الصورة لأجل حصول الرضا فيها، فلا حاجة إلى القول بالنسخ.
المسألة الرابعة: أن الله تعالى ذكر أحد عشر موضعا في هذه الآية أولها: قوله: * (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) * وفيه سؤال وهو أن يقال أي فائدة في إباحة أكل الإنسان طعامه في بيته؟ وجوابه المراد في بيوت أزواجكم وعيالكم أضافه إليهم، لأن بيت المرأة كبيت الزوج، وهذا قول الفراء. وقال ابن قتيبة: أراد بيوت أولادهم فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء لأن الولد كسب والده وماله كماله، قال عليه السلام: " إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " والدليل على هذا أنه سبحانه وتعالى عدد الأقارب ولم يذكر الأولاد لأنه إذا كان سبب الرخصة هو القرابة كان الذي هو أقرب منهم أولى وثانيها: بيوت الآباء وثالثها: بيوت الأمهات ورابعها: بيوت الإخوان وخامسها: بيوت الأخوات وسادسها: بيوت الأعمام وسابعها: بيوت العمات وثامنها: بيوت الأخوال وتاسعها: بيوت الخالات وعاشرها: قوله تعالى: * (أو ما ملكتم مفاتحه) * وقرئ * (مفتاحه) * وفيه وجوه: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر