أراد تكذيب هذه القضية قال بل له بشرى في الوقت الفلاني، فلما كان ثبوت البشرى في وقت من الأوقات يذكر لتكذيب هذه القضية، علمنا أن قوله تعالى: * (لا بشرى) * يقتضي نفي جميع أنواع البشرى في كل الأوقات، ثم إنه سبحانه أكد هذا النفي بقوله: * (حجرا محجورا) * والعفو من الله من أعظم البشرى، والخلاص من النار بعد دخولها من أعظم البشرى، وشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم البشرى فوجب أن لا يثبت ذلك لأحد من المجرمين، والكلام على التمسك بصيغ العموم قد تقدم غير مرة، قال المفسرون المراد بالمجرمين ههنا الكفار بدليل قوله: * (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) * (المائدة: 72).
المسألة الخامسة: في تفسير قوله: * (حجرا محجورا) * ذكر سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو معاذ الله وقعدك (الله) وعمرك (الله)، وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدو (موتور) أو هجوم نازلة ونحو ذلك يضعونها موضع الاستعاذة، قال سيبويه: يقول الرجل للرجل (يفعل) كذا وكذا فيقول حجرا، وهي من حجره إذا منعه لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه، فكان المعنى أسأل الله أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد، فإن قيل: لما ثبت أنه من باب المصادر فما معنى وصفه بكونه محجورا؟ قلنا: جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر كما قالوا (ذبل ذابل فالذبل) الهوان وموت مائت وحرام محرم. المسألة السادسة: اختلفوا في أن الذين يقولون حجرا محجورا من هم؟ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنهم هم الكفار وذلك لأنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه، (ثم) إذا رأوهم عند الموت (و) يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون، فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو (الموتور) ونزول الشدة القول الثاني: أن القائلين هم الملائكة ومعناه حراما محرما عليكم الغفران والجنة والبشرى، أي جعل الله ذلك حراما عليكم، ثم اختلفوا على هذا القول فقال بعضهم إن الكفار إذا خرجوا من قبورهم، قالت الحفظة لهم حجرا محجورا، وقال الكلبي الملائكة على أبواب الجنة يبشرون المؤمنين بالجنة ويقولون للمشركين حجرا محجورا، وقال عطية إذا كان يوم القيامة يلقى الملائكة المؤمنين بالبشرى فإذا رأى الكفار ذلك قالوا لهم بشرونا فيقولون حجرا محجورا القول الثالث: وهو قول القفال والواحدي وروي عن الحسن أن الكفار يوم القيامة إذا شاهدوا ما يخافونه فيتعوذون منه ويقولون حجرا محجورا، فتقول الملائكة لا يعاذ من شر هذا اليوم.
أما قوله تعالى: * (وقدمنا) * فقد استدلت المجسمة بقوله: * (وقدمنا) * لأن القدوم لا يصح إلا على الأجسام، وجوابه أنه لما قامت الدلالة على امتناع القدوم عليه لأن القدوم حركة والموصوف بالحركة محدث، ولذلك استدل الخليل عليها السلام بأفول الكواكب على حدوثها وثبت أن الله عز