وإن كان الثاني فحال رجحان أحد الطرفين يكون حصول الطرف الآخر ممتنعا، فثبت أن حال رجحان الضلالة في قلبه استحال منه قبول الحق، وما كان محالا لم يكن عليه قدرة، فثبت أنهم لما ضلوا ما كانوا مستطيعين.
قوله تعالى * (تبارك الذى إن شآء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجرى من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا * بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا * إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا * وإذآ ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا * لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) *.
اعلم أن هذا هو الجواب الثاني عن تلك الشبهة فقوله: * (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك) * أي من الله ذكروه من نعم الدنيا كالكنز والجنة وفسر ذلك الخير بقوله: * (جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) * نبه بذلك سبحانه على أنه قادر على أن يعطي الرسول كل ما ذكروه، ولكنه تعالى يدبر عباده بحسب الصالح أو على وفق المشيئة ولا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله، فيفتح على واحد أبواب المعارف والعلوم، ويسد عليه أبواب الدنيا، وفي حس الآخر بالعكس وما ذاك إلا أنه فعال لما يريد، وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن عباس: خير من ذلك مما عيروك بفقده الجنة، لأنهم عيروك بفقد الجنة الواحدة وهو سبحانه قادر على أن يعطيك جنات كثيرة، وقال في رواية عكرمة: * (خيرا من ذلك) * أي من المشي في الأسواق وابتغاء المعاش.
المسألة الثانية: قوله: * (إن شاء) * معناه أنه سبحانه قادر على ذلك لا أنه تعالى شاك لأن الشك لا يجوز على الله تعالى، وقال قوم: * (إن) * ههنا بمعنى إذا، أي قد جعلنا لك في الآخرة جنات وبنينا لك قصورا وإنما أدخل إن تنبيها للعباد على أنه لا ينال ذلك إلا برحمته، وأنه معلق على