الكلام زيف طريقتهم في ذلك من ثلاثة أوجه أولها: قوله: * (وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا) * لأنهم لما وصفوه بالإضلال في قولهم: * (إن كان لضلنا) * بين تعالى أنه سيظهر لهم من المضل ومن الضال عند مشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه فهو وعيد شديد لهم على التعامي والإعراض عن الاستدلال والنظر وثانيها: قوله تعالى: * (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا) * والمعنى أنه سبحانه بين أن بلوغ هؤلاء في جهالتهم وإعراضهم عن الدلائل إنما كان لاستيلاء التقليد عليهم وأنهم اتخذوا أهواءهم آلهة، فكل ما دعاهم الهوى إليه انقادوا له، سواء منع الدليل منه أو لم يمنع، ثم ههنا أبحاث:
الأول: قوله: * (أرأيت) * كلمة تصلح للإعلام والسؤال، وههنا هي تعجيب من جهل من هذا وصفه ونعته.
الثاني: قوله: * (اتخذ إلهه هواه) * معناه اتخذ إلهه ما يهواه أو إلها يهواه، وقيل هو مقلوب ومعناه اتخذ هواه إلهه وهذا ضعيف، لأن قوله: * (اتخذ إلهه هواه) * يفيد الحصر، أي لم يتخذ لنفسه إلها إلا هواه، وهذا المعنى لا يحصل عند القلب. قال ابن عباس: الهوى إله يعبد، وقال سعيد بن جبير: كان الرجل من المشركين يعبد الصنم فإذا رأى أحسن منه رماه واتخذ الآخر وعبده.
الثالث: قوله: * (أفأنت تكون عليه وكيلا) * أي حافظا تحفظه من اتباع هواه أي لست كذلك.
الرابع: نظير هذه الآية قوله تعالى: * (لست عليهم بمسيطر) * (الغاشية: 22) وقوله: * (وما أنت عليهم بجبار) * (ق: 45) وقوله: * (لا إكراه في الدين) * (البقرة: 256) قال الكلبي: نسختها آية القتال وثالثها: قوله: * (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون) * أم ههنا منقطعة، معناه بل تحسب، وذلك يدل على أن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها، وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لشدة عنادهم لا يصغون إلى الكلام، وإذا سمعوه لا يتفكرون فيه، فكأنه ليس لهم عقل ولا سمع البتة، فعند ذلك شبههم بالأنعام في عدم انتفاعهم بالكلام وعدم إقدامهم على التدبر والتفكر وإقبالهم على اللذات الحاضرة الحسية وإعراضهم عن طلب السعادات الباقية العقلية وها هنا سؤالات:
السؤال الأول: لم قال: * (أم تحسب أن أكثرهم) * فحكم بذلك على الأكثر دون الكل؟ والجواب: لأنه كان فيهم من يعرف الله تعالى ويعقل الحق، إلا أنه ترك الإسلام لمجرد حب الرياسة لا للجهل. السؤال الثاني: لم جعلوا أضل من الأنعام؟ الجواب: من وجوه: أحدها: أن الأنعام تنقاد لأربابها وللذي يعلفها ويتعهدها وتميز بين من يحسن إليها وبين من يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يميزون بين إحسانه إليهم وبين إساءة الشيطان إليهم الذين هو عدو لهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يحترزون من العقاب الذي هو أعظم المضار وثانيها: أن قلوب الأنعام كما أنها تكون خالية عن العلم فهي