ما هذآ إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا فى ءابآئنا الاولين * وقال موسى ربى أعلم بمن جآء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون) *.
اعلم أنه تعالى لما قال: * (فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه) * (القصص: 32) تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه، فعند ذلك طلب من الله تعالى ما يقوي قلبه ويزيل خوفه فقال: * (رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون، وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) * لأنه كان في لسانه حبسة، إما في أصل الخلقة، وإما لأجل أنه وضع الجمرة في فيه عندما نتف لحية فرعون.
أما قوله: * (فأرسله معي ردءا يصدقني) * ففيه أبحاث:
البحث الأول: الردء اسم ما يستعان به، فعل بمعنى مفعول به، كما أن الدفء اسم لما يدفأ به، يقال ردأت الحائط أردؤه إذا دعمته بخشب أو غيره لئلا يسقط.
البحث الثاني: قرأ نافع (ردا) بغير همز والباقون بالهمز، وقرأ عاصم وحمزة (يصدقني) برفع القاف، ويروى ذلك أيضا عن أبي عمرو والباقون بجزم القاف وهو المشهور عن أبي عمرو، فمن رفع فالتقدير ردءا مصدقا لي، ومن جزم كان على معنى الجزاء، يعني أن أرسلته صدقني ونظيره قوله: * (فهب لي من لدنك وليا * يرثني) * (مريم: 5، 6) بجزم الثاء من يرثني. وروى السدي عن بعض شيوخه ردءا كيما يصدقني.
البحث الثالث: الجمهور على أن التصديق لهارون، وقال مقاتل: المعنى كي يصدقني فرعون والمعنى أرسل معي أخي حتى يعاضدني على إظهار الحجة والبيان، فعند اجتماع البرهانين ربما حصل المقصود من تصديق فرعون.
البحث الرابع: ليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له صدقت، أو يقول للناس صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار فهذا هو التصديق المفيد، ألا ترى إلى قوله: * (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي) * وفائدة الفصاحة إنما تظهر فيما ذكرناه لا في مجرد قوله: صدقت.
البحث الخامس: قال الجبائي: إنما سأل موسى عليه السلام أن يرسل هارون بأمر الله تعالى وإن كان لا يدري هل يصلح هارون للبعثة أم لا؟ فلم يكن ليسأل مالا يأمن أن يجاب أو لا يكون حكمة، ويحتمل أيضا أن يقال إنه سأله لا مطلقا بل مشروطا على معنى، إن اقتضت الحكمة ذلك كما يقوله الداعي في دعائه.
البحث السادس: قال السدي: إن نبيين وآيتين أقوى من نبي واحد وآية واحدة. قال القاضي والذي قاله من جهة العادة أقوى، فأما من حيث الدلالة فلا فرق بين معجزة ومعجزتين ونبي ونبيين، لأن المبعوث إليه إن نظر في أيهما كان علم، وإن لم ينظر فالحالة واحدة، هذا إذا