عند سماع صوت الآلة وثالثها: أن الصور جمع الصور وجعلوا النفخ فيها نفخ الروح والأول أقرب لدلالة الظاهر عليه ولا مانع يمنع منه.
أما قوله: * (ففزع من في السماوات ومن في الأرض) * فاعلم أنه إنما قال (ففزع) ولم يقل فيفزع للإشعار بتحقيق الفزع وثبوته، وأنه كائن لا محالة لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به والمراد فزعهم عند النفخة الأولى.
أما قوله: * (إلا من شاء الله) * فالمراد إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة قالوا هم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وملك الموت، وقيل الشهداء، وعن الضحاك الحور وخزنة النار وحملة العرش، وعن جابر موسى منهم لأنه صعق مرة ومثله قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) * (الزمر: 68) وليس فيه خبر مقطوع، والكتاب إنما يدل على الجملة.
أما قوله: * (وكل أتوه داخرين) * فقرئ (أتوه) و (أتاه) ودخرين وداخرين فالجمع على المعنى والتوحيد على اللفظ والداخر والدخر الصاغر، وقيل معنى الإتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية، ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمر الله وانقيادهم له.
* (وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذى أتقن كل شىء إنه خبير بما تفعلون) *.
اعلم أن هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة وهي تسيير الجبال، والوجه في حسبانهم أنها جامدة فلأن الأجسام الكبار إذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد في السمت والكيفية ظن الناظر إليها أنها واقفة مع أنها تمر مرا حثيثا.
أما قوله: * (صنع الله) * فهو من المصادر المؤكدة كقوله: * (وعد الله) * (النساء: 95) و * (صبغة الله) * (البقرة: 138) إلا أن مؤكده محذوف وهو الناصب ليوم ينفخ، والمعنى أنه لما قدم ذكر هذه الأمور التي لا يقدر عليها سواه جعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب قال القاضي عبد الجبار فيه دلالة على أن القبائح ليست من خلقه وإلا وجب وصفها بأنها متقنة ولكن الإجماع مانع منه والجواب: أن الإتقان لا يحصل إلا في المركبات فيمتنع وصف الأعراض بها والله أعلم.
قوله تعالى * (من جآء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون * ومن جآء بالسيئة فكبت