محض مشيئته وأنه ليس لأحد من العباد على الله حق لا في الدنيا ولا في الآخرة.
المسألة الثالثة: القصور جماعة قصر وهو المسكن الرفيع ويحتمل أن يكون لكل جنة قصر فيكون مسكنا ومتنزها، ويجوز أن يكون القصور مجموعة والجنات مجموعة. وقال مجاهد: إن شاء جعل لك جنات في الآخرة وقصورا في الدنيا.
المسألة الرابعة: اختلف الفراء في قوله * (ويجعل) * فرفع ابن كثير وابن عامر وعاصم اللام وجزمه الآخرون، فمن جزم فلأن المعنى إن شاء يجعل لك جنات ويجعل لك قصورا ومن رفع فعلى الاستئناف والمعنى سيجعل لك قصورا، هذا قول الزجاج: قال الواحدي وبين القراءتين فرق في المعنى، فمن جزم فالمعنى إن شاء يجعل لك قصورا في الدنيا ولا يحسن الوقوف على الأنهار، ومن رفع حسن له الوقوف على الأنهار، واستأنف أي ويجعل لك قصورا في الآخرة. وفي مصحف أبي وابن مسعود: (تبارك الذي إن شاء يجعل).
المسألة الخامسة: عن طاوس عن ابن عباس قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وجبريل عليه السلام عنده قال جبريل عليه السلام هذا ملك قد نزل من السماء استأذن ربه في زيارتك فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء الملك وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " إن الله يخيرك بين أن يعطيك مفاتيح كل شيء لم يعطها أحدا قبلك ولا يعطيه أحدا بعدك من غير أن ينقصك مما ادخر لك شيئا، فقال عليه السلام بل يجمعها جميعا لي في الآخرة، فنزل قوله تبارك الذي إن شاء " الآية، وعن ابن عباس قال عليه السلام " عرض علي جبريل بطحاء مكة ذهبا فقلت بل شبعة وثلاث جوعات " وذلك أكثر لذكري ومسألتي لربي، وفي رواية صفوان بن سليم عن عبد الوهاب قال عليه السلام: " أشبع يوما وأجوع ثلاثا، فأحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت " وعن الضحاك " لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فنزل جبريل عليه السلام معزيا له، وقال إن الله يقرؤك السلام ويقول: * (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) * (الفرقان: 20) الآية، قال فبينما جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدثان إذ فتح باب من أبواب السماء لم يكن فتح قبل ذلك، ثم قال أبشر يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فسلم عليه وقال إن ربك يخيرك بين أن تكون نبيا ملكا وبين أن تكون نبيا عبدا ومعه سفط من نور يتلألأ ثم قال هذه مفاتيح خزائن الدنيا فاقبضها من غير أن ينقصك الله مما أعد لك في الآخرة جناح بعوضة فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير فأومأ بيده أن تواضع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نبيا عبدا " قال فكان عليه السلام بعد ذلك لم يأكل متكئا حتى فارق الدنيا.
أما قوله تعالى: * (بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) * فهذا جواب ثالث عن تلك الشبهة كأنه سبحانه قال ليس ما تعلقوا به شبهة عليمة في نفس المسألة، بل الذي حملهم على تكذيبك تكذيبهم بالساعة استثقالا للاستعداد لها، ويحتمل أن يكون المعنى أنهم يكذبون