طاعة الله تعالى، والمقام الكريم يريد المنازل الحسنة والمجالس البهية، والمعنى إنا أخرجناهم من بساتينهم التي فيها عيون الماء وكنوز الذهب والفضة، والمواضع التي كانوا يتنعمون فيها لنسلمها إلى بني إسرائيل. أما قوله كذلك فيحتمل ثلاثة أوجه: النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه، والجر على أنه وصف لمقام كريم، أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي الأمر كذلك.
أما قوله: * (فأتبعوهم) * أي فلحقوهم، وقرئ (فاتبعوهم) * (مشرقين) * داخلين في وقت الشروق من أشرقت الشمس شروقا إذا طلعت.
أما قوله: * (فلما تراءى الجمعان) * أي رأى بعضهم بعضا، قال أصحاب موسى: * (إنا لمدركون) * أي لملحقون * (وقالوا يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) * كانوا يذبحون أبناءنا، من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا يدركوننا، أي في الساعة فيقتلوننا، وقرئ * (فلما تراءت الفئتان) * * (إنا لمدركون) * بتشديد الدال وكسر الراء من أدرك الشيء إذا تتابع ففنى، ومنه قوله تعالى: * (بل دارك علمهم في الآخرة) * (النمل: 66) قال الحسن: جهلوا علم الآخرة، والمعنى إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد، فعند ذلك قال لهم كلا وذلك كالمنع مما توهموه، ثم قوى نفوسهم بأمرين: أحدهما: * (إن معي ربي) * وهذا دلالة النصرة والتكفل بالمعونة والثاني: قوله: * (سيهدين) * والهدى هو طريق النجاة والخلاص، وإذا دله على طريق نجاته وهلاك أعدائه، فقد بلغ النهاية في النصرة.
قوله تعالى * (فأوحينآ إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الاخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الاخرين * إن فى ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن موسى عليه السلام قوله: * (إن معي ربي سيهدين) * (الشعراء: 62) بين تعالى بعده كيف هداه ونجاه، وأهلك أعداءه بذلك التدبير الجامع لنعم الدين والدنيا، فقال: * (فأوحينا