دلالته على ما قال، ولكنه معارض بآيات الوعد كقوله: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) * (الكهف: 107) فإن قيل آيات الوعيد أولى لأن السارق يقطع على سبيل التنكيل ومن لم يكن مستحقا للعقاب لا يجوز قطع يده على سبيل التنكيل، فإذا ثبت أنه مستحق للعقاب ثبت أن استحقاق الثواب أحبط لما بينا أن الجمع بين الاستحقاقين محال. قلنا لا نسلم أن السارق يقطع على سبيل التنكيل، ألا ترى أنه لو تاب فإنه يقطع لا على سبيل التنكيل بل على سبيل المحنة، نزلنا عن هذه المقامات، ولكن قوله تعالى: * (ومن يظلم منكم) * إنه خطاب مع قوم مخصوصين معينين فهب أنه لا يعفو عنهم فلم قلت إنه لا يعفو عن غيرهم؟
أما قوله تعالى: * (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا جواب عن قولهم: * (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) * (الفرقان: 7) بين الله تعالى أن هذه عادة مستمرة من الله في كل رسله فلا وجه لهذا الطعن.
المسألة الثانية: حق الكلام أن يقال: * (إلا أنهم) * بفتح الألف لأنه متوسط والمكسورة لا تليق إلا بالابتداء، فلأجل هذا ذكروا وجوها: أحدها: قال الزجاج: الجملة بعد (إلا) صفة لموصوف محذوف، والمعنى وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين، وإنما حذف لأن في قوله: * (من المرسلين) * دليلا عليه، ونظيره قوله تعالى: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * (الصافات: 164) على معنى وما منا أحد وثانيها: قال الفراء إنه صلة لاسم متروك اكتفى بقوله: * (من المرسلين) * عنه، والمعنى إلا من أنهم كقوله: * (وما منا إلا له مقام معلوم) * أي من له مقام معلوم، وكذلك قوله: * (وإن منكم إلا واردها) * (مريم: 71) أي إلا من يردها فعلى قول الزجاج: الموصوف محذوف، وعلى قول الفراء: الموصول هو المحذوف، ولا يجوز حذف الموصول وتبقية الصلة عند البصريين، وثالثها: قال ابن الأنباري: تكسر إن بعد الاستثناء بإضمار واو على تقدير إلا وإنهم ورابعها: قال بعضهم المعنى إلا قيل إنهم.
المسألة الثالثة: قرىء * (يمشون) * على البناء للمفعول أي تمشيهم حوائجهم أو الناس، ولو قرىء * (يمشون) * لكان أوجه لولا الرواية. أما قوله تعالى: * (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: فيه أقوال: أحدها: أن هذا في رؤساء المشركين وفقراء الصحابة، فإذا رأى الشريف الوضيع قد أسلم قبله أنف أن يسلم فأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه، ودليله قوله تعالى: * (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * (الأحقاف: 11) وهذا قول الكلبي والفراء والزجاج وثانيها: أن هذا عام في جميع الناس، روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ويل للعالم من الجاهل، وويل للسلطان من الرعية، وويل للرعية من السلطان، وويل للمالك من