الأمر حقا واجب القبول، قلنا هذا لا يكون موافقة للأمر بل يكون موافقة للدليل الدال على أن ذلك الأمر حق، فإن موافقة الشيء عبارة عن الإتيان بما يقتضي تقرير مقتضاه، فإذا دل على حقية الشيء كان الاعتراف بحقيته يقتضي تقرير مقتضى ذلك الدليل، أما الأمر فلما اقتضى دخول الفعل في الوجود كانت موافقته عبارة عما يقرر ذلك الدخول وإدخاله في الوجود يقتضي تقرير دخوله في الوجود فكانت موافقة الأمر عبارة عن فعل مقتضاه. قوله لو كان كذلك لكان تارك المندوب مخالفا فوجب أن يستحق العقاب، قلنا هذا الإلزام إنما يصح أن لو كان المندوب مأمورا به وهو ممنوع، قوله لم لا يجوز أن يكون قوله: * (فليحذر) * أمرا بالحذر عن المخالف لا أمرا للمخالف بالحذر؟ قلنا لو كان كذلك لصار التقدير فليحذر المتسللون لواذا عن الذين يخالفون أمره وحينئذ يبقى قوله: * (أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * ضائعا لأن الحذر ليس فعلا يتعدى إلى مفعولين. قوله كلمة (عن) ليست بزائدة، قلنا ذكرنا اختلاف الناس فيها في المسألة الأولى. قوله لم قلتم إن قوله: * (فليحذر) * يدل على وجوب الحذر عن العقاب؟ قلا لا ندعي وجوب الحذر، ولكن لا أقل من جواز الحذر، وذلك مشروط بوجود ما يقتضي وقوع العقاب. قوله لم قلت إن الآية تدل على أن كل مخالف للأمر يستحق العقاب؟ قلنا لأنه تعالى رتب نزول العقاب على المخالفة فوجب أن يكون معللا به، فيلزم عمومه لعموم العلة. قوله هب أن أمر الله أو أمر رسوله للوجوب، فلم قلتم إن الأمر كذلك؟ قلنا لأنه لا قائل بالفرق والله أعلم.
(المسألة الرابعة) من الناس من قال لفظ الامر مشترك بين الامر القولي، وبين الشأن والطريق، كما يقال أمر فلان مستقيم وإذا ثبت ذلك كان قوله تعالى (عن أمره) يتناول قول الرسول وفعله وطريقته، وذلك يقتضى أن كل ما فعله عليه الصلاة والسلام يكون واجبا علينا، وهذه المسألة مبنية على أن الكناية في قوله عن أمره راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما لو كانت راجعة إلى الله تعالى فالبحث ساقط بالكلية، وتمام تقرير ذلك ذكرناه في أصول الفقه، والله أعلم.
أما قوله تعالى (أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فالمراد أن مخالفة الامر توجب أحد هذين الامرين، والمراد بالفتنة العقوبة في الدنيا، وبالعذاب الأليم عذاب الآخرة، وإنما ردد الله تعالى حال ذلك المخالف بين هذين الامرين لان ذلك المخالف قد يموت من دون عقاب الدنيا وقد يعرض له ذلك في الدنيا، فلهذا السبب أورده تعالى على سبيل الترديد، ثم قال الحسن:
الفتنة هي ظهور نفاقهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: القتل. وقيل: الزلازل والأهوال، وعن جعفر بن محمد يسلط عليهم سلطان جائز.
أما قوله تعالى (ألا إن الله ما في السماوات والأرض) فذاك كالدلالة على قدرته تعالى عليهما