وأما قوله تعالى: * (وإنه لفي زبر الأولين) * فيحتمل هذه الأخبار خاصة، ويحتمل أن يكون المراد صفة القرآن، ويحتمل صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد وجوه التخويف، لأن ذكر هذه الأشياء بأسرها قد تقدم.
قوله تعالى * (أو لم يكن لهم ءاية أن يعلمه علماء بنى إسراءيل * ولو نزلناه على بعض الاعجمين * فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين * كذلك سلكناه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم * فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) *.
اعلم أن قوله تعالى: * (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل) * المراد منه ذكر الحجة الثانية على نبوته عليه السلام وصدقه، وتقريره أن جماعة من علماء بني إسرائيل أسلموا ونصوا على مواضع في التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول عليه الصلاة والسلام بصفته ونعته، وقد كان مشركو قريش يذهبون إلى اليهود ويتعرفون منهم هذا الخبر، وهذا يدل دلالة ظاهرة على نبوته لأن تطابق الكتب الإلهية على نعته ووصفه يدل قطعا على نبوته، واعلم أنه قرىء * (يكن) * بالتذكير، وآية النصب على أنها خبره و (أن يعلمه) هو الاسم، وقرئ * (تكن) * بالتأنيث وجعلت (آية) اسما و (أن يعلمه) خبرا، وليست كالأولى لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا، ويجوز مع نصب الآية تأنيث (يكن) كقوله: * (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) * (الأنعام: 23).
وأما قوله: * (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) * فاعلم أنه تعالى لما بين بالدليلين المذكورين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق لهجته بين بعد ذلك أن هؤلاء الكفار لا تنفعهم الدلائل ولا البراهين، فقال: * (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) * يعني إنا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربي بلسان عربي مبين، فسمعوه وفهموه وعرفوا فصاحته، وأنه معجز لا يعارض بكلام مثله، وانضم إلى ذلك بشارة كتب الله السالفة به، فلم يؤمنوا به وجحدوه، وسموه شعرا تارة وسحرا أخرى، فلو نزلناه على بعض الأعجمين الذي لا يحسن العربية لكفروا به أيضا ولتمحلوا لجحودهم عذرا، ثم قال: * (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين) * أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم، وهكذا مكناه وقررناه فيها