وفي قوله: * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) * دلالة على أن هذا الحكم يختص بالصغار دون البالغين على ما تقدم ذكره وقد نص تعالى على ذلك من بعد فقال: * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) * والمراد من تجدد منه البلوغ يجب أن يكون بمنزلة من تقدم بلوغه في وجوب الاستئذان، فهذا معنى قوله: * (كما استأذن الذين من قبلهم) * وقد يجوز أن يظن ظان أن من خدم في حال الصغر، فإذا بلغ يجوز له أن لا يستأذن ويفارق حاله حال من لم يخدم ولم يملك، فبين تعالى أنه كما حظر على البالغين الدخول إلا بالاستئذان فكذلك على هؤلاء إذا بلغوا وإن تقدمت لهم خدمة أو ثبت فيهم ملك لهن.
السؤال الرابع: الأمر بالاستئذان هل هو مختص بالمملوك ومن لم يبلغ الحلم أو يتناول الكل من ذوي الرحم؟ والأجنبي أيضا لو كان المملوك من ذوي الرحم هل يجب عليه الاستئذان؟ الجواب: أما الصورة الأولى فنعم، إما لعموم قوله تعالى: * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) * (النور: 27) أو بالقياس على المملوك، ومن لم يبلغ الحلم بطريق الأولى، وأما الصورة الثانية فيجب عليه الاستئذان لعموم الآية.
السؤال الخامس: ما محل * (ليس عليكم) *؟ الجواب: إذا رفعت * (ثلاث عورات) * كان ذلك في محل الرفع على الوصف، والمعنى هن ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان، وإذا نصبت لم يكن له محل، وكان كلاما مقررا للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة.
السؤال السادس: ما معنى قوله: * (طوافون عليكم) *؟ الجواب: قال الفراء والزجاج إنه كلام مستأنف كقولك في الكلام إنما هم خدمكم وطوافون عليكم، والطوافون الذين يكثرون الدخول والخروج والتردد، وأصله من الطواف، والمعنى يطوف بعضكم على بعض بغير إذن.
السؤال السابع: بم ارتفع * (بعضكم) *؟ الجواب: بالابتداء وخبره * (على بعض) * على معنى طائف على بعض، وإنما حذف لأن * (طوافون) * يدل عليه.
أما قوله: * (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن السكيت: امرأة قاعد إذا قعدت عن الحيض والجمع قواعد، وإذا أردت القعود قلت قاعدة، وقال المفسرون: القواعد هن اللواتي قعدن عن الحيض والولد من الكبر ولا مطمع لهن في الأزواج، والأولى أن لا يعتبر قعودهن عن الحيض لأن ذلك ينقطع والرغبة فيهن باقية، فالمراد قعودهن عن حال الزوج، وذلك لا يكون إلا إذا بلغن في السن بحيث لا يرغب فيهن الرجال.
المسألة الثانية: قوله تعالى في النساء: * (لا يرجون) * كقوله: * (إلا أن يعفون) * (البقرة: 237).
المسألة الثالثة: لا شبهة أنه تعالى لم يأذن في أن يضعن ثيابهن أجمع لما فيه من كشف كل عورة، فلذلك قال المفسرون: المراد بالثياب ههنا الجلباب والبرد والقناع الذي فوق الخمار، وروي