وصفه بكونه حقا أنه لا يزول ولا يتغير، فإن قيل: مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمن فما الفائدة في قوله * (يومئذ) *؟ قلنا: لأن في ذلك اليوم لا مالك سواه لا في الصورة ولا في المعنى، فتخضع له الملوك وتعنوا له الوجوه وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام، واعلم أن هذه الآية دالة على فساد قول المعتزلة في أنه يجب على الله الثواب والعوض وذلك لأنه لو وجب لاستحق الذم بتركه فكان خائفا من أن لا يفعل فلم يكن ملكا مطلقا وأيضا فقوله: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * يفيد أنه ليس لغيره ملك وذلك لا يتم على قول المعتزلة، لأن كل من استحق عليه شيئا فإنه يكون مالكا له، ولا يكون هو سبحانه مالكا لذلك المستحق، لأنه سبحانه إذا استحق على أحد شيئا أمكنه أن يعفو عنه، أما غيره إذا استحق عليه شيئا فإنه لا يصح إبراؤه عنه، فكانت العبودية ههنا أتم، ولأن من كفر بالله إلى آخر عمره ثم في آخر عمره عرف الله لحظة ومات فهو سبحانه لو أعطاه ألف ألف سنة أنواع الثواب وأراد بعد ذلك أن لا يعطيه لحظة واحدة صار سفيها، وهذا نهاية العبودية والذل فكيف يليق بمن هذا حاله أن يقال له: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * وأيضا فكل من فعل فعلا لو لم يفعله لكان مستوجبا للذم وكان بذلك الفعل مكتسبا للكمال وبتركه مكتسبا للنقصان فلم يكن ملكا بل فقيرا مستحقا، فثبت أن قوله سبحانه: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * غير لائق بأصول المعتزلة.
الصفة الثالثة: قوله: * (وكان يوما على الكافرين عسيرا) * فالمعنى ظاهر لأنه تعالى عالم بالأحوال قادر على كل ما يريده وأما غيره فالكل في ربقة العجز ولجام القهر، فكان في نهاية العسر على الكافر.
الصفة الرابعة: قوله: * (ويوم يعض الظالم على يديه) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الألف واللام في الظالم فيه قولان: أحدهما: أنه للعموم والثاني: أنه للمعهود، والقائلون بالمعهود على قولين: الأول: قال ابن عباس المراد عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس كان لا يقدم من مقر إلا صنع طعاما يدعو إليه جيرته من أهل مكة ويكثر مجالسة الرسول ويعجبه حديثه فصنع طعاما ودعا الرسول فقال صلى الله عليه وسلم ما آكل من طعامك حتى تأتي بالشهادتين ففعل فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه فبلغ أمية بن خلف فقال صبوت يا عقبة وكان خليله فقال إنما ذكرت ذلك ليأكل من طعامي فقال لا أرضى أبدا حتى تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ على عنقه ففعل، فقال عليه السلام لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فنزل * (ويوم يعض الظالم على يديه) * ندامة يعني عقبة يقول: يا ليتني لم أتخذ أمية خليلا لقد أضلني عن الذكر. أي صرفني عن الذكر وهو القرآن والإيمان بعد إذ جاءني مع محمد صلى الله عليه وسلم فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبرا ولم يقتل يومئذ من الأسارى غيره وغير النضر بن الحارث الثاني: قالت الرافضة: هذا الظالم هو رجل بعينه وإن المسلمين غيروا اسمه