برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين) *.
اعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تزوج صغراهما وقضى أوفاهما " أي قضى أوفى الأجلين، وقال مجاهد قضى الأجل عشر سنين ومكث بعد ذلك عنده عشر سنين وقوله: * (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس) * يدل على أن ذلك الإيناس حصل عقيب مجموع الأمرين ولا يدل على أنه حصل عقيب أحدهما وهو قضاء الأجل، فبطل ما قاله القاضي من أن ذلك يدل على أنه لم يزد عليه وقوله: * (وسار بأهله) * ليس فيه دلالة على أنه خرج منفردا معها وقوله: * (امكثوا) * فيه دلالة على الجمع.
أما قوله: * (إني آنست نارا) * فقد مر تفسيره في سورة طه والنمل.
أما قوله: * (لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) * ففيه أبحاث:
الأول: قال صاحب " الكشاف " الجذوة باللغات الثلاث وقد قرىء بهن جميعا وهو العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن، قال الزجاج الجذوة القطعة الغليظة من الحطب.
الثاني: قد حكينا في سورة طه أنه أظلم عليه الليل في الصحراء وهبت ريح شديدة فرقت ماشيته وضل وأصابهم مطر فوجدوا بردا شديدا فعنده أبصر نارا بعيدة فسار إليها يطلب من يدله على الطريق وهو قوله: * (آتيكم منها بخبر) * أو آتيكم من هذه النار بجذوة من الحطب لعلكم تصطلون وفي قوله: * (لعلي آتيكم منها بخبر) * دلالة على إنه ضل وفي قوله: * (لعلكم تصطلون) * دلالة على البرد.
أما قوله: * (فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) * فاعلم أن شاطئ الوادي جانبه وجاء النداء عن يمين موسى من شاطئ الوادي من قبل الشجرة وقوله: * (من الشجرة) * بدل من قوله: * (من شاطئ الوادي) * بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ كقوله: * (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم) * (الزخرف: 33) وإنما وصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة وتكليم الله تعالى إياه وههنا مسائل:
المسألة الأولى: احتجت المعتزلة على قولهم إن الله تعالى متكلم بكلام يخلقه في جسم بقوله: * (من الشجرة) * فإن هذا صريح في أن موسى عليه السلام سمع النداء من الشجرة والمتكلم بذلك النداء هو الله سبحانه وهو تعالى منزه أن يكون في جسم فثبت أنه تعالى إنما يتكلم بخلق الكلام في جسم أجاب القائلون بقدم الكلام فقالوا لنا مذهبان الأول: قول أبي منصور الماتريدي وأئمة ما وراء النهر وهو أن الكلام القديم القائم بذات الله تعالى غير مسموع إنما المسموع هو الصوت والحرف وذلك كان مخلوقا في الشجرة ومسموعا منها، وعلى هذا التقدير زال السؤال