المسألة الثالثة: ذكروا في قوله: * (لولا دعاؤكم) * وجهين: أحدهما: لولا دعاؤه إياكم إلى الدين والطاعة والدعاء على هذا مصدر مضاف إلى المفعول وثانيهما: أن الدعاء مضاف إلى الفاعل وعلى هذا التقدير ذكروا فيه وجوها: أحدها: لولا دعاؤكم لولا إيمانكم وثانيها: لولا عبادتكم وثالثها: لولا دعاؤكم إياه في الشدائد كقوله: * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله) * (العنكبوت: 65) ورابعها: دعاؤكم يعني لولا شكركم له على إحسانه لقوله: * (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم) * (النساء: 147) وخامسها: ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم.
أما قوله: * (فقد كذبتم) * فالمعنى أني إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد بعبادي إلا لعبادتهم فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم وهو عقاب الآخرة، ونظيره أن يقول الملك لمن استعصى عليه: إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني، وقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك. فإن قيل إلى من يتوجه هذا الخطاب؟ قلنا إلى الناس على الإطلاق، ومنهم (مؤمنون) عابدون ومكذبون عاصون، فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب، وقرئ (فقد كذب الكافرون) (فسوف) يكون العذاب لزاما، وقرئ * (لزاما) * بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت، والوجه أن ترك اسم كان غير منطوق به بعد ما علم أنه مما توعد به لأجل الإبهام ويتناول ما لا يحيط به الوصف، ثم قيل هذا العذاب في الآخرة، وقيل كان يوم بدر وهو قول مجاهد رحمه الله، والله أعلم.
تم تفسير هذه السورة والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين