أما قوله: * (فلا تطع الكافرين) * فالمراد نهيه عن طاعتهم، ودلت هذه الآية على أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي عنه مشتغلا به.
وأما قوله: * (وجاهدهم به جهادا كبيرا) * فقال بعضهم: المراد بذل الجهد في الأداء، والدعاء وقال بعضهم: المراد القتال، وقال آخرون: كلاهما، والأقرب الأول لأن السورة مكية، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان وإنما قال: * (جهادا كبيرا) * لأنه لو بعث في كل قرية نذيرا لوجب على كل نذير مجاهدة قريته، فاجتمعت على رسول الله تلك المجاهدات وكثر جهاده من أجل ذلك وعظم فقال له: * (وجاهدهم) * بسبب كونك نذير كافة القرى * (جهادا كبيرا) * جامعا لكل مجاهدة.
قوله تعالى * (وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) *.
اعلم أن هذا هو النوع الرابع من دلائل التوحيد وقوله: * (مرج البحرين) * أي خلاهما وأرسلهما يقال: مرجت الدابة إذا خليتها ترعى، وأصل المرج الإرسال والخلط، ومنه قوله تعالى: * (فهم في أمر مريج) * (ق: 5) سمى الماءين الكبيرين الواسعين بحرين. قال ابن عباس: مرج البحرين، أي أرسلهما في مجاريهما كما ترسل الخيل في المرج وهما يلتقيان، وقوله: * (هذا عذاب فرات) * والمقصود من الفرات البليغ في العذوبة حتى (يصير) إلى الحلاوة، والأجاج نقيضه، وأنه سبحانه بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج، وجعل من عظيم اقتداره برزخا حائلا من قدرته، وههنا سؤالات: السؤال الأول: ما معنى قوله: * (وحجرا محجورا) *؟ الجواب: هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها، وهي ههنا واقعة على سبيل المجاز، كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول له حجرا محجورا، كما قال: * (لا يبغيان) * (الرحمن: 20) أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة فانتفاء البغي (ثمة) كالتعوذ، وههنا جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه، فهو يتعوذ منه وهي من أحسن الاستعارات.
السؤال الثاني: لا وجود للبحر العذب، فكيف ذكره الله تعالى ههنا؟ لا يقال: هذا مدفوع من وجهين: الأول: أن المراد منه الأودية العظام كالنيل وجيحون الثاني: لعله جعل في البحار موضعا يكون أحد جانبيه عذبا والآخر ملحا، لأنا نقول: أما الأول فضعيف لأن هذه الأودية ليس فيها ملح، والبحار ليس فيها ماء عذب، فلم يحصل البتة موضع التعجب وأما